للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حتى الخلافة وأعوزني صديق لا أحتشم منه.

قال المفسرون (١): هذا كله إذا علم رضا صاحبك بصريح الإذن، أو بقرينة دالة كالقرابة والصداقة ونحو ذلك. ولذلك خص هؤلاء بالذكر لاعتيادهم التبسط فيما بينهم. والمعنى: ليس عليكم جناح، في أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها، وان لم يحضروا ويعلموا من غير أن تتزودوا وتحملوا.

قال الإِمام الواحدي في "الوسيط": وهذه الرخصة في أكل مال القرابات، وهم لا يعلمون ذلك كرخصته لمن دخل حائطًا، وهو جائع أن يصيب من ثمره، أو مر في سفر بغنم، وهو عطشان أن يشرب من رسلها توسعةً منه تعالى، ولطفًا بعباده، ورغبةً بهم عن دناءة الأخلاق وضيق النظر.

وإنما خص هؤلاء بالذكر لأنهم اعتادوا التبسط بينهم، والرضا فيهم محقق غالبًا. والمقصود من هذه الآية، إثبات الإباحة في الجملة، لا إثبات الإباحة في جميع الأوقات.

قال ابن زيد (٢): وهذا شيء قد إنقطع، إنما كان في أوله، ولم يكن لهم ستور أبواب، أو كانت الستور مرخاة فربما دخل الرجل البيت، وليس فيه أحد، وربما وجد الطعام وهو جائع، فسوغ له أن يأكل منه. ثم قال: ذهب ذلك اليوم، البيوت فيها أهلها، فإذا خرجوا أغلقوا. اهـ.

ثم استأنف سبحانه، حكمًا آخر من نوع ما قبله، فقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} أيها المؤمنون {جُنَاحٌ}؛ أي: ماثم في {أَنْ تَأْكُلُوا} من بيوتكم حال كونكم {جميعًا}؛ أي: مجتمعين {أَوْ} حال كونكم {أَشْتَاتًا} أي: متفرقين، جمع شت، بمعنى: متفرق على أنه صفة، كالحق، أو بمعنى تفرق على أنه مصدر، وصف به مبالغةً، وأما شتى فجمع شتيت، كمرضى ومريض؛ أي: ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم، مجتمعين أو متفرقين. وقد كان بعض العرب، يتحرج أن يأكل وحده، حتى يجد له أكيلًا يؤاكله فيأكل معه. وبعض العرب،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.