للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان لا يأكل إلا مع ضيف، ومنه قول حاتم:

إِذَا مَا صَنَعْتِ الزَّادَ فَالْتَمِسِيْ لَهُ ... أَكِيْلًا فَإِنِّي لَسْتُ آكُلُهُ وَحْدِيْ

وفي الحديث: "شر الناس من أكل وحده، وضرب عبده ومنع رفده". وإنما ذم هذا؛ لأنه بخل بالقرى. وقال أكثر المفسرين: نزلت في بني ليث بن عمرو، وهم حي من كنانة، كانوا يتحرجون أن يأكلوا طعامهم منفردين، وكان الرجل منهم لا يأكل وحده، ويمكث يومه حتى يجد ضيفًا يأكل معه، فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئًا، وربما قعد الرجل والطعام بين يديه، لا يتناوله من الصباح إلى الرواح. وربما كان معه الإبل الحفل، فلا يشرب من ألبانها، حتى يجد من يشاربه، فإذا أمسى ولم يجد أحدًا أكل. فاعلم الله سبحانه وتعالى أن الرجل إذا أكل وحده لا حرج عليه. هذا قول ابن عباس.

وقيل: نزلت في قوم من الأنصار، كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم. فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا، جميعًا؛ أي: مجتمعين، أو أشتاتًا؛ أي: متفرقين. قال النسفي رحمه الله، دل قوله تعالى: {جَمِيعًا} على جواز التناهد في الأسفار، وهو إخراج كل واحد من الرفقة نفقة على قدر نفقة صاحبه؛ أي: على السوية. وقال بعضهم: في خلط المال ثم أكل الكل منه والأولى أن يستحل كل منهم غذاء كل، أو يتبرعون لأمين، ثم يتبرع لهم الأمين، اهـ. "من الروح".

ثم شرع سبحانه، يبين ما ينبغي رعايته، حين دخول البيت، بعد أن ذكر الرخصة فيه، فقال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} أي: فإذا دخلتم، أيها المؤمنون بيوتًا، من البيوت المذكورة، أو غيرها، مسكونة كانت، أو غير مسكونة ولو مسجدًا.

{فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي: فابدأوا (١) بالسلام على أهلها، الذين هم بمنزلة أنفسكم، لما بينكم وبينهم من القرابة الدينية، والنسبية الموجبة لذلك، فالله تعالى، جعل أنفس المسلمين، كالنفس الواحدة، على حد قوله تعالى: {وَلَا


(١) المرح.