للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يختصُّ بمكانٍ ولا مسجدٍ، فإنَّها ممكنةٌ في كُلِّ مكانٍ. وفي "المختار"؛ الوجه والجهة بمعنًى، والهاء عوضٌ من الواو.

ومعنى الآية (١): إنَّ لله المشرق والمغرب وما بينهما خلقًا وملكًا، وإنّما خصَّ المشرق والمغرب؛ اكتفاءً بهما عن جميع الجهات؛ لأنَّ له تعالى كُلَّها، وما بينهما خلقه وعبيده، وإنَّ على جميعهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه، فالجهة التي أمرهم باستقبالها، فهي القبلة، فإنَّ القبلة ليست قبلةً لذاتها؛ بل لأنَّ الله سبحانه جعلها قبلةً، وأمر بالتوجُّه إليها، فإن جعل الكعبة قبلةً، فلا تنكروا ذلك؛ لأنّه تعالى يُدبِّر عباده كيف يريد {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}؛ أي: فَهُنَالِكَ قبلة الله التي وَجَّهَكُمْ إليها.

وقيل معناه: فثمَّ وجه الله سبحانه وتعالى بلا تأويلٍ، والوجه صفةٌ ثابتة لله تعالى، نثبتها، ونعتقدها من غير تشبيه ولا تمثيل، وهذا القول هو الصحيح الأسلم الذي ينبغي الاعتماد عليه. وقيل: المعنى: فثمَّ رضا الله؛ أي: يريدون بالتوجه إليه رضاه تعالى. وقال ابن العربي: مقتضى التوحيد أنَّ الصلاة لأيِّ جهةٍ تصحُّ، وإنّما أُمِرنا بجهةٍ مخصوصةٍ؛ تعبدًا، ولم نعقل له معنى. وقال ابن عباس (٢) - رضي الله تعالى عنهما -: (لمَّا حُوِّلت القبلة عن بيت المقدس، أنكر اليهود ذلك، فنزلت هذه الآية ردًّا عليهم). وقال أبو مسلم: إنَّ اليهود إنّما استقبلوا بيت المقدس؛ لأنّهم اعتقدوا أنَّ الله تعالى صعد السماء من الصخرة، والنصارى استقبلوا المشرق؛ لأنَّ عيسى عليه السلام ولد هناك، فردَّ الله سبحانه عليهما بهذه الآية.

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {وَاسِعٌ} بفضله، ورحمته، جميع الخلائق، يريد التوسعة على عباده في القبلة، وغيرها، أو واسعٌ بإحاطته بالأشياء ملكًا وخلقًا، فيكون تذييلًا لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وكذا إن فسرت السعة بسعة الرحمة، فإنَّ قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} لمَّا اشتمل على معنى قولنا: لا


(١) الخازن.
(٢) المراح.