تختصُّ العبادة والصلاة ببعض المساجد، بل الأرض كلُّها مسجدٌ لكم، فصلُّوا في أيِّ بقعة شئتم من بقاعها فُهِم منه أنَّه واسع الشريعة بالترخيص والتوسعة على عباده في دين، لا يضطرُّهم إلى ما يعجزون عن أدائه، والمقصود: التوسعة على عباده والتيسير عليهم في كُلِّ ما يحتاجون إليه، فيدخل فيه التوسعة في أمر القبلة دخولًا أوّليًّا، وهذا التعليم مستفادٌ من إطلاق {وَاسِعٌ}، حيث لم يقيَّد بشيء دون شيء. قال الغزاليُّ في "شرح الأسماء الحسنى": الواسع مشتقٌّ من السعة، والسَّعة تضاف مرَّةً إلى العلم إذا اتَّسع، وأحاط بالمعلومات الكثيرة، وتضاف مرة أخرى إلى الإحسان، وبسط النعم، وكيفما قُدِّر، وعلى أيِّ شيءٍ نزِّل، فالواسع المطلق هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه إن نُظِر إلى علمه، فلا ساحل لبحر علمه، بل تنفد البحار لو كانت مدادًا لكلماته، وإن نظر إلى إحسانه ونعمه، فلا نهاية لقدرته، وكُلُّ سعةٍ وإن عظمت، فتنتهي إلى طرفٍ، والذي لا يتناهى إلى طرف، فهو أحقُّ باسم السعة، والله تعالى هو الواسع المطلق؛ لأنَّ كُلَّ واسع بالإضافة إلى ما هو أوسع منه ضيِّقٌ، وكُلُّ سعة تنتهي إلى طرف، فالزيادة عليها متصوَّرة، وما لا نهاية له ولا طرف، فلا يتصوَّر عليه زيادةٌ، فهو تعالى الواسع المطلق الذي ليس لسعته نهايةٌ ولا طرفٌ. {عَلِيمٌ} بمصالحهم ونياتهم في جميع الأماكن والجهات كلِّها، وهذا لا يخلو عن إفادة التهديد؛ ليكون المصلِّي على حذر من التفريط، والتساهل، كما أنَّه يتضمَّن الوعد بتوفية ثواب المصلِّين في جميع الأماكن.
فقد ظهر أنَّ هذه الآية مرتبطةٌ بقوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية، وأنَّ المعنى: إنَّ بلاد الله تعالى أيها المؤمنون! تسعكم، فلا يمنعكم تخريب من خرَّب مساجد الله، أن تُولُّوا وجوهكم نحو قبلة الله تعالى أينما كنتم من أرضه.
فائدةٌ فقهيَّةٌ تتعلَّق بحكم الآية وهي: أنَّ المسافر إذا كان في مفازة، أو بلاد الشرك، واشتبهت عليه القبلة، فإنّه يجتهد في طلبها بنوع من الدلائل، ويصلّي إلى الجهة التي أدَّى إليها اجتهاده، ولا إعادة عليه، وإن لم يصادف القبلة، فإنّ جهة