للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أرشد إلى الفارق بينه وبين الكهنة، وبينه وبين الشعراء .. ختم (١) السورة بالتهديد العظيم والوعيد الشديد للكافرين، فقال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالشعر المنهي عنه وغيره، وأعرضوا عن تدبر هذه الآيات كفرًا بها وعنادًا، فهو عام لكل ظالم، والسين للتأكيد. {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}؛ أي: أي مرجع يرجعون إلى الله تعالى بعد الموت، وأي معاد يعودون إليه، إنهم ليصيرون إلى نار لا يطفأ سعيرها، ولا يسكن لهيبها؛ أي: ينقلبون انقلاب سوء، ويرجعون رجوع شر؛ لأن مصيرهم إلى النار.

فإن (٢) في قوله: {سَيَعْلَمُ} تهويلًا عظيمًا، وتهديدًا شديدًا، وكذا في إطلاق {الَّذِينَ ظَلَمُوا}، وإبهام {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}. وخصص بعضهم هذه الآية بالشعراء، ولا وجه لذلك، فإن الاعتبار بعموم اللفظ.

وقوله: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} صفة لمصدر محذوف؛ أي: ينقلبون منقلبًا أي منقلب، وقدم لتضمنه معنى الاستفهام، ولا يعمل فيه {سَيَعْلَمُ}؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، بل هو معلق عن العمل فيه.

والمعنى (٣)؛ أي وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهَجْوِ رسول الله وأصحابه، وبالإعراض عن تدبر هذه الآيات أنهم ينقلبون كمال انقلاب؛ لأن مصيرهم إلى النار؛ وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب؛ وهو شر مرجع، فالمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع هو العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها، فصار كل مرجع منقلبًا، وليس كل منقلب مرجعًا.

وقرأ ابن عباس والحسن وابن أرقم عنه (٤): {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} بالفاء مكان القاف، والتاء مكان الباء، من الإنقلاب بالنون والتاء الفوقية. والمعنى على هذه القراءة: أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله تعالى، والانفكاك منه، ولا يقدرون على ذلك؛ أي: وسيعلم الظالمون أن ليس لهم وجه من وجوه


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
(٤) البحر المحيط والشوكاني.