إليه، فصنع كما يصنع الولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل! إنّ الله أمرني بأمرٍ، أتعينني عليه؟ قال: أعينك عليه، قال: أمرني أن أبني ها هنا بيتًا، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام إبراهيم على حجر المقام وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجر، وهما يقولان:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
ثمَّ لمَّا فرغ من بناء الكعبة قيل له: أَذِّنْ في الناس بالحج، فقال: أنادي وأنا بين الجبال! ولم يحضرني أحدٌ! فقال الله: عليك النداء، وعليَّ البلاغ، فصعد أَبَا قُبيسٍ، وصعد هذا الحجر، وكان قد خُبىءَ في أبي قُبيسٍ أيامَ الطوفان، فارتفع هذا الحجر حتى علا كُلَّ حجر في الدنيا، وجمع الله له الأرض كالسفرة، فنادى: يا معشر المسلمين! إنّ ربّكم بنى لكم بيتًا، وأمركم أن تحجُّوه، فأجابه الناس من أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات، فمن أجابه مرّةً حجَّ مرة ومن أجابه عشرًا حج عشرًا. وفي الحديث:"إنَّ الركنَ والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، ولولا مماسة أيدي المشركين لأضاءتا. ما بَيْنَ المشرقِ والمغربِ" والمرادُ منهما: الحجر الأسود والحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بناء البيت.
{و} اذكر يا محمد! لأمّتك قصّة إذ {عهدنا} وأوصينا {إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} وأمرناهما بـ {أن} أسِّسا بيتي على التقوى و {طَهِّرَا بَيْتِيَ} من الأوثان والأنجاس كُلِّها؛ يعني: الكعبة وأضافه إليه؛ تشريفًا له؛ أي: عهدنا إليهما، وأمرناهما أمرًا مؤكَّدًا، ووصَّينا إليهما، فإنَّ العهد قد يكون بمعنى الأمر والوصيّة، يقال: عهد إليه؛ أي: أمره ووصَّاه، ومنه قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} وسمَّاه بيته؛ لأنّه جعله معبدًا للعبادة الصحيحة، وأمر المُصلِّين بأن يتوجَّهُوا إليها، وفي إبراهيم (١) سبع لغات: أشهرها إبراهيم بألفٍ وياءٍ، وإبراهام بألفين، والثالثة: إبراهم بألف بعد الراء وكسر الهاء دون ياء، الرابعة: كذلك إلّا أنّه بفتح الهاء، والخامسة: كذلك إلّا أنّه بضمّ الهاء، السادسة: أبْرَهَم بفتح الهاء