للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{بِضَارِّينَ بِهِ}؛ أي: بما تعلَّموه من السحر {مِنْ أَحَدٍ}؛ أي: أحدًا {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: إنَّ هؤلاء لم يُعْطَوا شيئًا من القوى الغيبيَّة فوق ما أعطي سائر الناس، بل هي أسبابٌ ربط بها مسبَّباتها، فإذا أُصيب أحدٌ بضررٍ بعمل من أعمالهم، فإنَّما ذلك بإذنه تعالى، فهو الذي يوجد المسبَّبات عند حصول الأسباب، والاستثناء (١) في قوله: {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} مفرَّغٌ، والباء متعلِّقةٌ بمحذوف وقع حالًا من ضمير {ضَارِّينَ} أو من مفعوله، وإنْ كان نكرةً؛ لاعتمادها على النَّفي، أو الضمير المجرور في {بِهِ}؛ أي: ما يضرُّون به أحدًا إلّا مقرونًا بعلم الله تعالى، وإرادته، وقضائه لا بأمره؛ لأنّه لا يأمر بالكفر، والإضرار، والفحشاء، ويقضي على الخلق بها، فالسَّاحر يسحر، والله يكوِّن، فقد يُحدث عِنْد استعمالِهم السحر فعلًا من أفعاله ابتلاءً، وقد لا يحدثه، وكُلُّ ذلك بإرادته، ولا يُنْكَر أنَّ السحر له تأثيرٌ في القلوب، بالحُبِّ والبغض، وبإلقاءِ الشرور، حتى يَحُولَ بين المرء وقلبه، وذلك بإدخال الآلام، وعظيم الأسقام، وكُلُّ ذلك مُدْرَكٌ بالحس والمشاهدة، وإنكاره معاندةٌ.

وإن أردت التفصيلَ وحقيقةَ الحال (٢)، فاستمع لما نَتْلُو عليك من المقال، وهو أن السحر: إظهار أمرٍ خارقٍ للعادة، من نفسٍ شِرِّيرةٍ خِبَيثةٍ، بمباشرة أعمال مخصوصةٍ، يَجْرِي فيه التعلُّم والتعليم، وبهذين الاعتبارين يُفارق المعجزة، والكرامة؛ وذلك لأنَّ المعجزة: أمرٌ خارق للعادة، يظهر على يد من يدَّعي النبوة والرسالة عند ردِّ الملحدة، والكرامة: أمرٌ خارق للعادة، يظهر على يد عبدٍ من عباد الله الصالحين، والسِّحر: أمرٌ خارقٌ للعادة، يظهر على يد نفسٍ شريرةٍ خبيثةٍ، بمباشرة أعمالٍ مخصوصة.

فَصْل في بيان حقيقة السحر

واختلف العلماء في حقيقة السحر بمعنى ثبوته في الخارج:


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.