للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فُتِنُوا} أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ثم استعمل في المحنة والابتلاء يصيب الإنسان، {تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}؛ أي: تدفع وتسعى في خلاصها، والنفس الأولى الجثة والبدن، النفس الثانية عينها وذاتها، وتوفى تعطى، {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} والمثل عبارةٌ عن قول يشبه قولًا في شيء آخر بينهما مشابهةٌ، ليبين أحدهما الآخر ويصوره، {كَانَتْ آمِنَةً} من الغارات لا تهاج ولا تقلق؛ أي: ذات أمن، يأمن فيها أهلها أن يغار عليهم، {مُطْمَئِنَّةً}؛ أي: ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق.

{رَغَدًا} يقال: رغد العيش رغادة اتسع ولسان، فهو رغدٌ ورغيدٌ، ورغد رغدًا من باب تعب لغةٌ، فهو راغدٌ، وهو في رغد من العيش؛ أي: رزق واسع، وأرغد القوم بالألف أخصبوا، والرغيدة الزبد اهـ "مصباح" {بِأَنْعُمِ اللَّهِ} جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء، كدرع وأدرع، أو جمع نعم، كبؤسٍ وأبؤس اهـ "بيضاوي"، والمراد بها نعمة الرزق والأمن المستمر، ويحتمل أنه جمع نعماء بفتح النون والمد، وهي بمعنى النعمة، وهي "المصباح": والنعماء وزان الحمراء مثل النعمة، وجمع النعمة نعمٌ، مثل سدرة وسدر، وأنعم أيضًا مثل أفلس، وجمع النعماء أنعم، مثل البأساء يجمع على أبؤس اهـ.

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ} يقولون: له وجه يصف الجمال، وعينٌ تصف السحر، يريدون أنه جميل، وأن عينه تفتن من رآها، لأنه لما كان وجهه منشأ الجمال وعينه منبعًا للفتنة والسحر .. كان كلٌّ منهما كأنه إنسانٌ عالمٌ بكنههما، محيطٌ بحقيقتهما، يصفهما للناس أجمل وصف، ويعرفهما أتم تعريف، وعلى هذا الأسلوب جاء قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} إذ جعل الكذب كأنه حقيقةٌ مجهولةٌ، وكلامهم الكذب يشرح تلك الحقيقة ويوضحها، كان ألسنتهم لكونها موصوفة بالكذب هي حقيقته، ومنبعه الذي يعرف منه، {بِجَهَالَةٍ} والجهالة هنا الطيش وعدم التدبر في العواقب.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان