للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زائدا حتى كان يقعد على عمارته بنفسه، ويشيل التراب مع الفعلة بيده، ويتأخر عن غدائه اشتغالا بذلك.

وأنشأ بجانبه مكتبا لإقراء أيتام المسلمين القرآن، وحانوتا لسقى الناس الماء العذب، ووجد عند حفر آساس هذا الجامع كثيرا من الأموال، وجعل عليه ضيعة من قرى حلب لعل فى السنة مائة وخمسين ألف درهم فضة عنها نحو سبعة آلاف دينار، وقرر فيه درسا فيه عدة من الفقهاء، وولى الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان الشافعى خطابته، وأقام له سائر ما يحتاج إليه من أرباب الوظائف، وبنى بجواره مكانا ليدفن فيه ونقل إليه ابنه فدفنه هناك.

وهذا الجامع من أجلّ جوامع مصر، إلا أنه لما حدثت الفتن ببلاد الشام وخرجت النواب عن طاعة سلطان مصر منذ مات الملك الظاهر برقوق امتنع حضور مغل وقف هذا الجامع لكونه فى بلاد حلب، فتعطلت وظائفه إلا الأذان والصلاة وإقامة الخطبة فى الجمع والأعياد.

ولما كانت سنة خمس عشرة وثمانمائة أنشأ فى وسطه الأمير طوغان الدوادار بركة ماء وسقفها، ونصب عليها عمدا من رخام لحمل السقف، أخذها من جامع الخندق وهدمه لأجل ذلك، وصار الماء ينقل إلى هذه البركة من ساقية الجامع التى كانت للميضأة، فلما قبض الملك المؤيد شيخ الظاهرى على طوغان فى يوم الخميس تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة، وأخرجه إلى الإسكندرية واعتقله بها، أخذ شخص الثور الذى كان يدبر الساقية فإن طوغان كان آخذه منه بغير ثمن فبطل الماء من البركة.

وآق سنقر هذا هو الأمير شمس الدين أحد مماليك السلطان الملك المنصور قلاوون، ولما فرقت المماليك فى نيابة كتبغا على الأمراء صار آق سنقر من نصيب الأمير سلار، ولذلك قيل له آق سنقر السلارى، وقد ترقى فى زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار أحد الأمراء المقدمين، وزوجه بابنته وأخرجه لنيابة صفد، ثم نقله إلى نيابة غزة، ثم تولى نيابة مصر وسار فيها سيرة حسنة، فكان لا يمنع أحدا شيئا طلبه كائنا ما كان، ولا يرد سائلا ولو كان مطلوبه غير ممكن، فارتزق/الناس فى أيامه واتسعت أحوالهم وتقدم من كان متأخرا، حتى كان الناس يطلبون ما لا حاجة لهم به.

ثم إن الصالح أمسكه هو وجملة من الأمراء من أجل أنهم نسبوا إلى الممالأة والمداجاة مع الناصر أحمد، وذلك يوم الخميس رابع المحرم سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وكان ذلك آخر العهد به. انتهى.