واستمر الملك المنصور فى السلطنة إلى أن خلعه يلبغا فى رابع شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، وسجنه بالقلعة فى دور الحرم، وذلك لأنه كان مغرما بالشرب، لا يفيق منه ساعة واحدة، مائلا بكليته إلى الأغانى والجوارى الحسان.
وبقى الملك المنصور بعد خلعه مشغولا باللذات، إلى أن مات مخلوعا سنة إحدى وثمانين وسبعمائة. ودفن فى تربة جدته أم أبيه خوند طفلى عند الباب المحروق.
***
[مطلب تولية السلطنة زين الدين أبى المعالى شعبان بن حسين بن الناصر محمد]
ثم تولى السلطنة السلطان زين الدين أبو المعالى شعبان بن حسين بن الناصر محمد ابن قلاوون، فى منتصف شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، ولقب بالملك الأشرف، وكان عمره عشر سنين، وأقيم فى الأتابكية الأمير يلبغا العمرى، فقام بالأمور لصغر سن الأشرف.
وفى سنة سبع وستين وسبعمائة أراد أن يجعل الأمير طيبغا الطويل نائب الشام، وكان الأمير طيبغا حينئذ فى جهة العباسية، برأس الوادى يتصيد، فأرسل له بذلك صحبة جملة من الأمراء، فلم يمتثل، واتحد مع الأمراء المرسلين إليه، ورفعوا لواء العصيان، فلما بلغ الأمير يلبغا الخبر أخبر السلطان، وقام بالعساكر لقتالهم، فوقع بين الفريقين مقتلة قوية عند قبة النصر، بقرب الجبل الأحمر من العباسية، آلت إلى انتصار يلبغا، فقبض عليهم، وقتل من قتل، وأسر من أسر.
وفى تلك السنة - أعنى سنة سبع وستين وسبعمائة - وردت مراكب صاحب قبرس على ثغر الإسكندرية، وكانت سبعين سفينة حربية مشحونة بمقاتلين، فطرقوا المدينة على حين غفلة، فقام عليهم نائب الإسكندرية بمن جمعهم من العسكر والعرب، وقاتلهم فهزموه، ودخلوا المدينة، فنهبوها، وقتلوا كثيرا من أهلها، ورحلوا عنها قبل وصول عساكر السلطان إليهم.
ولهذا السبب، وكثرة إفساد مراكب الإفرنج فى البحر وقطعهم طرق التجارة، شرع فى إنشاء مائة مركب من المراكب الحربية بالجزيرة الوسطى، المعروفة بجزيرة العبيط، لأجل ردعهم ومنعهم.
فلما كملت توجه إليها السلطان يوما لينظرها، فتفرج عليها، وعدى إلى بر الجيزة، ثم مضى إلى الطرانة بقصد النزهة، ونصب بها خيامه. وكانت مماليك يلبغا يضمرون الخيانة لسيدهم، ويريدون الفتك به سرا، فهجموا عليه ليلا، فلم يجدوه، لأنه كان قد بلغه الخبر