للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينزل إلى هذا الميدان من القلعة، فلا يجد فى طريقه أخدا من الناس سوى الباعة أصحاب الحوانيت لقلة الناس، وشغلهم بما هم فيه من الغلاء والوباء، واشتد خوفه من الفتنة فأظهر العناية بأمر الأويراتية، لأنهم كانوا من جنسه، وكان مراده أن يجعلهم عونا له يتقوى بهم، فبالغ فى إكرامهم، حتى أثر فى قلوب أمراء الدولة إحنا، وخشوا إيقاعه بهم، فآل الأمر بسببهم، وبسبب تخلفه عن المسير مع الجيوش المصرية إلى محاربة التتار، حين أغاروا على بلاد الشام، إلى قيام بعض الأمراء عليه، فترك سرير السلطنة وفرّ إلى دمشق.

***

[سلطنة حسام الدين لاجين المنصورى]

واستولى على السلطنة حسام الدين لاجين المنصورى، أحد مماليك المنصور قلاوون.

وكان نائب السلطنة فى مدة كتبغا، وتلقب بالملك المنصور، وذلك فى سنة ست وتسعين وستمائة. فلم يسر فى الدولة السير الملائم، وساء تدبيره، فقامت عليه الأمراء وقتلوه سنة ثمان وتسعين وستمائة بعد سنتين وشهرين.

وكان من أول ما بدأ به أن أخرج الناصر محمد بن قلاوون من قلعة الجبل، وكان معتقلا بها، ونفاه إلى الكرك، وجعله فى قلعتها، ثم أخذ فى تجديد الجامع الطولونى بعد تخربه، وكان قد نذر ذلك من قبل سلطنته، فإنه كان ممن وافق الأمير بيدرة - المتقدم ذكره - على قتل الملك الأشرف. فلما قتل بيدرة فى محاربة مماليك الأشرف، فرّ لاجين من المعركة، واختفى بالجامع الطولونى، وهو يومئذ خراب لا ساكن فيه، فأعطى الله عهدا أنه إن سلم من هذه المحنة، ومكنه الله من الأرض يجدّد عمارة هذا الجامع، ويجعل له ما يقوم به.

فلما آلت إليه السلطنة عمّره، ورتب فيه دروسا على المذاهب الأربعة، ودرسا لتفسير القرآن، وآخر للحديث، وآخر للطب، وقرّر له الخطيب والمؤذنين وسائر الخدمة، وأنشأ بجواره مكتبا. وبلغت النفقة عليه عشرين ألف دينار، ورتّب له ما يقوم به.

***

[السلطنة الثانية للملك الناصر محمد بن قلاوون]

فلما قتل كما تقدم اجتمع الأمراء للمشورة، فانحط رأيهم على إمارة الملك الناصر محمد ابن قلاوون، فأحضر من الكرك، بعد أن استمر التخت خاليا عن سلطان واحدا وأربعين يوما، والأمراء يدبرون الأمور، فقلّده الخليفة السلطنة فى جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة، وهى سلطنته الثانية على مصر.