وكان النيل انحسر عن أرض اللوق والتكة، ولحق الناس ضيق، لبعده عن القاهرة، فأمر بحفر الخليج الناصرى، لينتفع به أهل القاهرة، وليحمل فيه الغلال إلى منية الشيرج والخانقاه، وأوصله بالخليج الكبير - كما مر ويأتى توضيح ما ذكر - فعمر الناس جوانبه، وصارت من أبهج الأماكن.
وكذا عمر الناس بولاق، وجزيرة أروى، وقد قدّمنا محلهما. واتصلت مبانى تلك الجهات بعضها ببعض، فعظمت القاهرة، وزادت سعتها إلى غاية عظيمة.
[[شغف المماليك بالخيل]]
وأنشأ أيضا بمصر الميدان الكبير - وبعضه باق أمام القصر العالى - وكان يعرف فى أول زماننا بميدان النشاب، وأنشأ أيضا ميدان المهارة (محل جنينة المرحوم محمد باشا وهبى) لتربية المهارة لشغفه بالخيل، فقد ذكر المقريزى أنه مات عن ثمانمائة وأربعة آلاف فرس، وخمسة آلاف هجين، ونوق أصائل مهريات وقرشيات، وكان أكثر ميله إلى الخيل العربية عكس أبيه، فإنه كان يفضل عليها خيول برقة، وجلبت إليه التجّار الخيول من البحرين والحسا والقطيف والحجاز والعراق وغيرها، وكان يعطى فى الفرس الواحد من عشرة آلاف درهم إلى ثلاثين ألفا، ويدفع فى الواحد من خيول «آل مهنا» ستين ألف درهم وأكثر إلى مائة ألف.
ولم ينقطع فى زمنه السباق، فلما مات بطل، إلى أن أعاده السلطان برقوق، وكان له أيضا رغبة فى الخيل، حتى مات عن سبعة آلاف فرس وخمسة عشر ألف جمل وهجين، وكان لجلبه الخلع والرواتب والمسامحات، وكان يشترى الفرس بأعلى من قيمته إلى عشر مرات، غير العطايا.
وكانت الخيول السلطانية تفرق على الأمراء مرتين فى السنة: الأولى عند خروج السلطان إلى مرابط الخيل عند تمام الربيع، والثانية عند لعبه بالكرة فى الميدان.
وكان للخاصة المزايا من ذلك، فربما وصل إلى أحدهم فى السنة مائة فرس. ويفرق على المماليك فى أوقات أخر، بل كان يهب السلطان للخاصة القصور والبيوت الغالية.
وكان لهم مع الملك عادات فى الحضور بين يديه، فمنها أنهم إذا حضروا للخدمة بالديوان أو القصر، وقف كل أمير فى مكان خاص به، ولا يجسر أحد أن يتكلم مع غيره، بل لا يلتفت إليه، وكانوا أيضا لا يجتمعون مع بعض فى أوقات النزهة، أو رمى النشاب، وإذا بلغ السلطان أن أحدا منهم خالف تلك العادة، عاقبه بالنفى، أو القبض.