وأما وادى هبيب وهو وادى النطرون، ويعرف ببرية شيهات وببرية الأسقيط وبميزان القلوب، فإنه كان به فى القديم مائة دير، ثم صارت سبعة ممتدة غربا على جانب البرية القاطعة بين بلاد البحيرة والفيوم، وهى فى رمال منقطعة، وسباخ مالحة، وبرارى منقطعة معطشة، وقفار مهلكة، وشراب أهلها من حفائر، وتحمل النصارى إليهم النذور والقرابين، وقد تلاشت فى هذا الوقت بعد ما ذكر مؤرخو النصارى أنه خرج إلى عمرو بن العاص من هذه الأديرة سبعون ألف راهب، بيد كل واحد عكاز، فسلموا عليه، وأنه كتب لهم كتابا هو عندهم. فمنها دير أبى مقار الكبير، وهو دير جليل عندهم، وبخارجه ديور كثيرة خربت، وكان دير النساك فى القديم، ولا يصح عندهم بطركية البطرك؛ حتى يجلسوه فى هذا الدير بعد جلوسه بكرسى الإسكندرية، ويذكر أنه كان فيه من الرهبان ألف وخمسمائة راهب لا يزالون مقيمين به، وليس به الآن إلا قليل منهم، والمقارات ثلاثة أكبرهم صاحب هذا الدير، ثم أبو مقار الإسكندرانى، ثم أبو مقار الأسقف، وهؤلاء الثلاثة قد وضعت رممهم فى ثلاثة أنابيب من خشب، وتزورها النصارى بهذا الدير، وبه أيضا الكتاب الذى كتبه عمرو بن العاص لرهبان وادى هبيب، بجراية نواحى الوجه البحرى على ما أخبرنى من أخبر برؤيته فيه.
وأبو مقار الأكير هو مقاريوس، أخذ الرهبانية عن أنطونيوس، وهو أول من لبس عندهم القلنسوة والإشتكيم، وهو سير من جلد فيه صليب، يتوشح به الرهبان فقط، ولقى أنطونيوس بالجبل الشرقى حيث دير العزبة، وأقام عنده مدة، ثم ألبسه لباس الرهبانية، وأمره بالمسير إلى وادى النطرون ليقيم هناك ففعل ذلك. واجتمع عنده الرهبان الكثيرة العدد، وله عندهم فضائل عديدة منها أنه كان لا يصوم الأربعين إلا طاويا فى جميعها، لا يتناول غذاء ولا شرابا