[(المبحث الخامس فى الغرض المقصود من بناء الأهرام)]
كما تنوعت الأقوال فيمن بنى الأهرام، تنوعت فى الغرض المقصود منها. فالذى غلب على أفهام كثير من الناس فى جميع الأجيال والبقاع أنها قبور لبعض ملوك مصر الأولين.
قال المقريزى: زعم قوم أن الأهرام قبور ملوك عظام، آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميزوا عنهم فى حياتهم، وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخى العصور. انتهى.
ومن الناس من يقول إنها معابد للمقدس أوزريس الذى هو من أسماء الشمس وأسماء النيل، وسيأتى ما يرجح هذا. ومنهم من يقول إنها محلات وضعت لرصد الكواكب. وأول من قال بذلك من الأقدمين: أفلاطون، وتبعه جماعة كثيرون إلى وقتنا هذا. وكثير من العلماء يميلون إلى أنها آثار بنيت لإيداع العلوم والأسرار فيها، وبذلك قال كثير من علماء العرب. فيقولون إن قدماء المصريين بنوا الأهرام وأودعوا فيها العلوم الهندسية والطبية والفلكية والحسابية والطلاسم وغير ذلك. مما لو استقصى قصا.
ونقل عن أرسطاطاليس وأفلاطون ويلين - الذى ساح فى مصر - قبل المسيح بسبعين سنة - أنهم يقولون إن الفراعنة إنما بنوا هذه الأهرام لأسباب سياسية هى: إذلال الأهالى، وشغل قلوبهم وأبدانهم، وسلب أموالهم، وكسر شوكتهم؛ ليكونوا دائما مستعبدين تحت رق الأسر والقسر، وفى قبضة الحكم، ولا يمكنوا من التمرد والعصيان، ليدوم للفراعنة ملكهم وتصرفهم فى العالم بلا منازع ولا استثناء.
ولكن/هذا بعيد؛ فإنه لو كان القصد ذلك لكفى استعمالهم فى الأشغال المعتادة كالترع والجسور والقصور، فإنها كثيرة جدا. وأيضا فأحوال الهرم وارتفاعه وأبعاده وأوضاعه تدل على أن لبانيه فكرة أولية كبيرة مهمة لأجلها بناه، ومن جرائها أنشأه.