وبالقاهرة الآن ثمان عشرة تكية موزعة فى أخطاطها، وهى محلات تقيم فيها الدراويش وجميعهم أعاجم، وفى القديم كان يطلق على هذه الدور اسم خانقاه. وقال المقريزى: إنها حدثت فى الإسلام فى حدود الأربعمائة من سنى الهجرة، وجعلت لتخلى الصوفية فيها لعبادة الله تعالى، ونقل عن الشيخ شهاب الدين أبى حفص عمر بن محمد السهروردى ﵀ أن الصوفى من يضع الأشياء فى مواضعها، ويدبر الأوقات والأحوال كلها بالعلم، يقيم الخلق مقامهم، ويقيم أمر الحق مقامه، ويستر ما ينبغى أن يستر، ويظهر ما ينبغى أن يظهر، ويأتى بالأمور من مواضعها، بحضور عقل، وصحة توحيد، وكمال معرفة، ورعاية صدق وإخلاص … (اه.)
أقول: فمن كانت هذه صفاته، يستحق أن يقتدى بقوله وفعله، ونحن جميعا نود أن تكون هذه الصفات صفات لصوفية عصرنا المنغمرين فى نعم خير بلادنا، نسأل الله الهداية والتوفيق، وهو الهادى إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.
***
[مطلب أول خانقاه بمصر]
وأول خانقاه بديار مصر حدثت فى زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب فى سنة تسع وخمسين وستمائة برسم الفقراء الصوفية الواردين من البلاد الشاسعة، ووقفها عليهم، ووقف عدة أملاك يصرف من ريعها عليها، ورتّب للصوفية كل يوم طعاما؛ لحما وخبزا، وبنى لهم حماما بجوارها، ثم لما انقرضت دولة الأيوبية حذا حذوهم السلاطين الجراكسة وبعض الأمراء.
فصار فى مصر إلى أول القرن التاسع اثنتين وعشرين خانقاه، ثم لما زال ملك السلاطين الجراكسة. حصل ما حصل للمدارس من الإهمال وعدم الصرف وضياع الأوقاف التى عليها، فاندثر أغلبها، وتخرّب كثير منها، وبقى الأمر على ذلك إلى أيامنا هذه فاستبدلت بالتكايا كما تقدم، وتنوسى اسم الخانقاه بالكلية، وهى كلمة فارسية، معناها بيت العبادة.