للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنضارة. فشرع فى أمور جمة داخل القطر ومدنه توجب له زيادة التمدن، حتى انتظمت القاهرة والإسكندرية فى أسلوب جديد، أزال عنها هيئتها الأولى، فصارت تضاهى مدن أوروبا، وتواردت عليها وعلى جميع القطر الأغراب من كل جهة، واتسع نطاق التجارة والأخذ والإعطاء.

غير أنه نشأ من اتساع دائرة الأعمال، والأشغال والمصاريف على الحكومة أن ثقل كاهلها من الديون والمطالب، فحصل من ذلك شغب فى آخر مدته، وشئ من غمام الفتنة عكر جوها، وحجب بعض أسفار بدرها، حتى انفصل عنها عام ست وتسعين بعد المائتين والألف.

***

[تولية أفندينا محمد توفيق]

وخلفه فى ذلك العام فجلس على تخت الحكومة المصرية ولى عهده شبله الليث الهمام، والبدر المنير التمام، الخديو المعظم، والداورى المفخم، ذو المقام الرفيع، والحصن المنيع، والفخر الجلى، أفندينا محمد توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على - لا زالت أندية السرور عامرة بالثناء عليه، ولا برحت مجامع الخير قائمة بجميل ذكره، وإسداء صالح الدعوات إليه.

فقد تحلّت مصر بولايته، واستقام أمرها بعدالته، وانفسح مجال الثروة فى أيامه، وتقلّب الناس فى مرحمته وإكرامه. وصارت مصر فى أرفع درجات الانتظام، وأخصبت أرجاؤها، وجللها النفع العام.

وسار فى أمور القطر فى سنن جديد، مراعيا مصالح البلد والمعاهداث المتفق عليها، بين مصر والدول الأجنبية، غير مستقل برأيه، بل مشاركا فى ذلك مجلس نظّاره، فاستقامت أحوال القطر، وسارت الأعمال على نهج يناسب أحوال البلاد وأهلها.

لكن هذا السير لم يوافق أغراض المفسدين، فوسوس لهم شيطانهم، ونشأ عن تلك الوسوسة تخرب العسكرية، وكفروا بالنعمة، ورفضوا ما عليهم من الحقوق لولى أمرهم ولوطنهم، وفعلوا أفعالا فظيعة نشأ عنها اختلال حال القطر وأهله (١).

ومع ما حصل منهم من الكبائر والأمور الفظيعة لم ينحرف الخديو عن سيره المعتدل، وثبت عند هذه الشدائد، حتى زالت تلك الفتنة المشؤومة على ما هو معلوم مسطور فى هذا الشأن.


(١) واضح أن المؤلف يشير فى هذه الفقرة إلى الثورة العرابية، وموقفه منها معروف بحكم ولائه للخديو توفيق وتوليه أكبر المناصب فى عهده. والقارئ المعاصر أصبح اليوم، بعد انتهاء حكم أسرة محمد على، يعرف كثيرا من الحقائق الموضوعية الثابتة عن خيانات توفيق وبطولات الثورة العرابية.