للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرها، ثم يوسوس له شيطانه فيهدمها إلى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر، وهكذا كان دأبه، واتفق أنه ورد له من بلاده القبلية ثمانون ألف إردب غلال، فوزعها كلها على أرباب المؤن فى ثمن الجبس والجير والأحجار والأخشاب وغير ذلك.

وكان فيه حدّة زائدة، وتخليط فى الأمور والحركات، ولا يستقر بالمجلس، بل يقوم ويقعد ويصرخ. ويروق حاله فى بعض الأوقات فيظهر فيه بعض إنسانية، ثم يتغيّر ويتعكر من أدنى شئ.

[حادثة الشيخ أحمد صادومة]

ولما مات سيده محمد بيك، وتولى إمارة الحج ازداد عتوا وعسفا وانحرافا، خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لأمور نقمها عليهم، منها أن شيخا يسمى الشيخ أحمد صادومة كان مسنّا، وأصله من سمنود، له شهرة وباع طويل فى الروحانيات وتحريك الجمادات والسيميات وغيرها، وكان للشيخ الكفراوى به التئام ومحبة واعتقاد عظيم، وكان يخبر عنه أنه من الأولياء، ويقول إنه الفرد الجامع، ونوّه بشأنه عند الأمراء، وخصوصا محمد بيك أبى الذهب، فراج حال كل منهما بالآخر، فاتفق أن المترجم اختلى بمحظيته، فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهدّدها بالقتل، فأخبرته أن المرأة الفلانية ذهبت بها إلى هذا الشيخ، وهو الذى كتب لها ذلك ليحبّبها إلى سيدها، فنزل فى الحال، وأرسل فقبض على الشيخ صادومة المذكور، وأمر بقتله وإلقائه فى البحر، ففعلوا به ذلك، وأرسل إلى داره، فاحتاط بما فيها، وأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل منها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر، فأحضروا له تلك الأشياء، فصار يوريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الأمراء، ووضع ذلك التمثال بجانبه، فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه، ويتعجبون ويضحكون، ويقول:

انظروا أفاعيل المشايخ، وعزل الشيخ حسن الكفراوى من إفتاء الشافعية، ورفع عنه وظيفة المحمدية، وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفى، وقرّره عوضا عن الشيخ الكفراوى.

واتفق للمترجم عدة نوادر ووقائع ذكرها الجبرتى، فارجع إليها إن شئت. مات مقتولا سنة إحدى وتسعين ومائة وألف. (انتهى).

(قلت): ويظهر مما ذكره الجبرتى فى هذه الترجمة أن دار يوسف بيك دخلت فى سراى الحلمية أيضا، وأن زاوية النحاس - المعروفة بزاوية الأربعين الموجودة اليوم بلصق سور (١) السراى - هى جامع خير بك حديد الذى ذكره الجبرتى فى هذه الترجمة (٢).


(١) فى الطبعة الأولى «صور» والتصحيح لأحمد تيمور.
(٢) فى الجبرتى ج ٣ ص ١٦١ تخريب جامع خير بيك ابن حديد الذى بدرب الحمام بقرب بركة الفيل مدة الفرنسيس، فراجعه. وانظر كذلك ج ٤ ص ٢٥١ من الطبعة الأولى من «الخطط التوفيقية». (أ. ت)