الإحاطة بأحوالها ودقائقها، لأن هناك أشياء يعجز اللسان والقلم عن تفهيمها، والتوقيف عن الغرض منها، ولا بد من النظر إليها لمريد الوقوف عليها، لأن الرسم وإن كان يهيئ للنظر مجموعها ويبين نسب أجزائها وأوضاعها بعضها لبعض، لكنه لا يوفى بدقائقها وما لها من البهجة والمحاسن، بل كثيرا ما يؤدى إلى استثقال المرسوم ومجه، مع أنه بالمعاينة يرى فى غاية الحسن وتميل إليه النفس، إذ بالرؤية يظهر فضل الأضواء والظلال ونحو ذلك، مما لا يظهر بالرسم مع كثرته وتغيره بحسب الأماكن والمرسومات من أشجار أو بحار، ومعلوم أن لكل جهة حكما ومزايا لا تكون في غيرها، فكثرة ممارسة المصريين للأعمال المناسبة لأحوال القطر، أوقفتهم على إتقان الصنائع التى تناسب القطر، وعرفوا ما يناسب استحداثه فى كل جهة بحيث يكون بين الجهة ومحدثاتها ائتلاف تام ومناسبة كلية، وتنافسوا فى ذلك، والعمائر والأوضاع التى فى غير هذا القطر وإن كانت حسنة جميلة فى مواضعها، فلا يلزم أن تكون حسنة فى هذا القطر، إذ لم يلاحظ فى أحداثها إلاّ أحوال جهاتها وطبائع أهلها، لا أحوال هذا القطر وطبائع أهله.
ولما كان كل ما يراه الإنسان من الأشياء لا يحكم عليه بكبر أو صغر، إلاّ بمقارنته ونسبته لغيره، رغبنا لأجل الوقوف على درجة أهمية عمارات مدينة طيبة أن نقارن بينها وبين ما اشتهر من عمارات الأقطار والبلاد، فنبدأ بالمقارنة بين عمارات الكرنك، وعمارات الأروام والرومانيين.
[[مقارنة بين عمارات الكرنك وعمارات الأروام والرومانيين]]
فأما عمارات الأروام وخصوصا ما بنى منها فى زمن بيرلكيس، وهو الزمن الذى بلغت فيه الفنون منتهاها، وكانت فيه مدينة (أتينة) فى أقصى درجات أبهتها وشهرتها، فكانت مع ذلك قليلة الإتساع بالنسبة لعمارات مدينة