للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هما أساس الدين المحمدى، وقطعت يد الظلم، وكسر عصا الجور والعدوان، وذلك كله فى الصدر الأول، وإن كان قد حصل بعد ذلك شغب كثير، وفشل بين المسلمين نشأ منه اضمحلال حال ديار مصر، سيما فى الحروب التى تولدت عن ذلك، كما يعلم ذلك من تاريخ سلسلة حوادثها المتتالية.

[مطلب عدد من تولى مصر من العمال]

فإنه من حين فتح المسلمين مصر فى سنة ٢٠ من الهجرة، التى هى سنة تولية عمرو بن العاص عليها، إلى سنة ١٣٢، التى هى سنة انتقال الخلافة من بنى أمية إلى العباسيين، تولى عليها ثمانية وعشرون عاملا تناوبها اثنتين وثلاثين مرة، لأن بعضهم كان يعزل ثم يعود كعمرو ابن العاص فإنه حكم مرتين، ومدته فيهما إحدى عشرة سنة، وكعبد الملك بن رفاعة الفهمى، فإنه حكم مرتين أيضا ومدته فيهما ثمان سنين، وكحفص بن الوليد، فإنه حكم ثلاث مرات ومدته فيها أربع سنين.

ويظهر من طول مدة بعض العمال الأول، أن الأحوال ابتداء كانت غير مضطربة، وإنما اعتراها ذلك فيما بعد، ويظهر أنه بتقادم الزمن كان الاضطراب متزايدا؛ فإنا نجد أنه تبدل على هذه الديار من سنة ١٣٢، التى هى ابتداء خلافة العباسيين، إلى زمن فصل مصر عن بيت الخلافة، فى زمن أحمد بن طولون سنة ٢٥٤، ستون عاملا، فى ظرف مائة واثنتين وعشرين سنة. فتكون مدة العامل نحو عامين، فكان العزل متقاربا، بل ربما حصل فى العام الواحد تبادل عاملين أو ثلاثة.

ومن هذا يعلم أن قلة الأمن هى الباعثة على كثرة اضطراب أحوال البلاد، من عدم استقامة الإدارة العامة. وعدم طول إقامة الحكام ذوى العدل بين أهلها؛ لتطاول أيدى أهل البغى عليهم بكثرة الحروب والقتل، إلى أن دخلت الفرنساوية أرض مصر، وانجلوا عنها وحصلت العناية الربانية. واستولى مولانا العزيز محمد على باشا، عليه الرحمة والرضوان،