وكان من جملة هذه السباع سبع أزرق العينين يقال له زريق قد أنس بخمارويه، وصار مطلقا فى الدار لا يؤذى أحدا، ويقام له بوظيفته من الغذاء فى كل يوم، فإذا نصبت مائدة خمارويه أقبل زريق معها وربض بين يديه، فرمى إليه بيده الدجاجة بعد الدجاجة والفضلة الصالحة من الجدى ونحو ذلك مما على المائدة فيتفكه به، وكانت له لبوة لم تستأنس كما أنس، فكانت مقصورة فى بيت، ولها وقت معروف يجتمع معها فيه، فإذا نام خمارويه جاء زريق ليحرسه، فإن كان قد نام على سرير ربض بين يدى السرير، وجعل يراعيه ما دام نائما، وإن كان قد نام على الأرض بقى قريبا منه وتفطن لمن يدخل ويقصد خمارويه لا يغفل عن ذلك لحظة واحدة، وكان على ذلك دهره قد ألف ذلك، ودرب عليه، وكان فى عنقه طوق من ذهب، فلا يقدر أحد أن يدنو من خمارويه ما دام نائما، لمراعاة زريق وحراسته إياه، حتى إذا شاء الله إنفاذ قضائه فى خمارويه كان بدمشق وزريق غائب عنه بمصر ليعلم أنه لا يغنى حذر من قدر.
وعمل أيضا للنمور دارا مفردة، وللفهود دارا مفردة، وللفيلة دارا مفردة، وللزرافات دارا مفردة. كل ذلك سوى الإصطبلات، فإنه عمل لكل صنف من الدواب إصطبلا مفردا، فكان للخيل الخاص إصطبل مفرد، ولدواب الغلمان إصطبل، ولبغال القباب إصطبل، ولبغال النقل وللنجائب والبخاتى إصطبلات، لكل صنف إصطبل مفرد للاتساع فى المواضع والتفنن فى الأثقال سوى الإصطبلات التى بالجيزة فإنه كان له فى عدة ضياع من الجيزة إصطبلات مثل نهيا ووسيم وسفط وطهر مس وغيرها. وكانت هذه الضياع لا تزرع إلا القرط برسم الدواب … إلى آخر ما قال من كلام طويل. (انتهى).
(قلت): ويظهر من هذا كله أن الميدان والقصر والبستان كان يشمل أكثر ثمن الخليفة الآن من ابتداء الجامع من شرقيه ويدخل فيه الرميلة وقرا ميدان إلى القلعة، وبقى كذلك إلى أن خرب.
[تخريب القطائع]
وخربت القطائع فى سنة ثلاث وتسعين ومائتين على يد مبعوث الخليفة المكتفى بالله محمد ابن سليمان، فألقى النار فى القطائع، ونهب أصحابه الفسطاط، وكسروا السجون، وأخرجوا من فيها، وهجموا الدور، واستباحوا الحريم، وهتكوا الرعية، وافتضوا الأبكار، وساقوا النساء، وفعلوا كل قبيح من إخراج الناس من دورهم وغير ذلك.