لما كان الأزهر كثير الطلبة والمدرسين والخدمة والمرتبات، كان من اللازم إقامة من يسوس أمورهم ويفصل قضاياهم، ويضبط مرتباته ويقيم شعائره، فجعل لكل طائفة شيخ وخدمة، وللجميع شيخ عموم يرجعون إليه ويباشر حكام الدولة، وهو فى الحقيقة شيخ فقهاء القطر بتمامه بمنزلة شيخ الإسلام فى دار المملكة، فكانت المشيخة فيه للسادة المالكية، ثم للسادة الشافعية مدة، ثم للسادة الحنفية، ثم آلت اليوم إلى السادة الشافعية، فمن مشايخه-كما فى الجبرتى-الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن على الخرشى المالكى المتوفى سنة إحدى ومائة وألف وقد ترجمناه فى بلده أبى خراش من أعمال البحيرة.
وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتى وتوفى سنة عشرين ومائة وألف، ووقع بعد موته فتنة بالأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالآقبغاوية، وافترق المجاورون فرقتين، فرقة تريد الشيخ أحمد النفراوى، وأخرى تريد الشيخ عبد الباقى القلينى ولم يكن حاضرا بمصر، فتصدر الشيخ أحمد النفراوى للتدريس بالآقبغاوية فمنعه القاطنون بها، وحضر القلينى فتعصب له جماعة النشرتى، وحضر جماعة النفراوى إلى الجامع ليلا ومعهم بنادق وأسلحة وضربوا بالبنادق فى الجامع وأخرجوا جماعة القلينى، وكسروا باب الآقبغاوية وأجلسوا النفراوى مكان النشرتى، فكبس جماعة القلينى الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوى فقتلوا منهم نحو العشرة، وانفصلوا عن جرحى كثيرة، وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل، وحضر الوالى فأخرج القتلى وتفرق المجاورون فلم يبق بالجامع أحد، وفى ثانى يوم طلع النفراوى إلى الديوان ومعه حجة الكشف على القتلى، فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمه بتعديه وأمره بلزوم بيته، وأمر بنفى الشيخ أحمد شنن إلى بلده الجدية، وحبسوا من كان فى العرقانة وكانوا اثنى عشر، وتطاول حسن أفندى نقيب الأشراف على النفراوى بحضرة الباشا وقال له: جماعتك المفسدون الذين هم عاملون طلبة العلم يصعدون على المنارة ويقولون فى محل الأذان يا آل حرام ويضربون بالرصاص فى المسجد واستقر القلينى فى المشيخة.
فلما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن المالكى من ناحية الجدية، وكان أغنى أهل زمانه وله مماليك وجوار، ومن مماليكه أحمد بيك شنن، توفى الشيخ محمد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف، وقبل موته جعل الشيخ محمد الجدواى وصيا على ولده موسى، ولما بلغ رشده سلمه ماله فكان من الذهب البندقى أربعين ألفا خلاف الجنزرلى والطرلى وأنواع