وقد ألحق بذلك أبنية عديدة منها أنه بنى جامعين: أحدهما عند فمها والآخر عند مصبها قرب المينا، وجعل محراب كل واحد منهما قطعة واحدة من الرخام الأبيض، وكتب عليه تاريخ البناء، ورقم عليه اسم السلطان محمود.
والجامع الذى عند مصبها يعرف الآن بجامع التاريخ، وكذلك الشارع الذى عنده يسمى بشارع التاريخ.
ومنها: أنه جدد عدة أشوان لخزن الغلال الميرية.
ومنها: حفر مجرى تحت الأرض لتوصيل الماء الحلو إلى جهة الترسانة والجمرك، قد فتح فى مواضع منه موارد لأخذ السقائين والأهالى فى أى وقت شاءوا، ولحرصه على دوام نفع تلك الترعة، جعل لها ما تتغذى منه عند الحاجة، فجعل (ملقة ديسة) مخزنا للماء يملأ وقت فيضان النيل ويبقى مملوءا حتى يصرف فيها على حسب الحاجة، وجعل فيه قناطر للصرف. والمخزن المذكور هو ما يعرف الآن بخزان الزرقون، وكان قريبا من عشرين ألف فدان، ولما استغنى عنه بوابورات العطف جعله المرحوم سعيد باشا جفلكا، وهو الآن فى ملك نجله المرحوم طوسون باشا.
وقد حدث على جوانب تلك الترعة وبعيدا عنها فى ضواحى المدينة، عدة بلدان عامرة، وقصور مشيدة، وبساتين مملوءة بأشجار الفواكه والرياحين، وغير ذلك من المحاسن المشاهدة هناك. ثم إن من أسباب جعل قاع الخليج القديم مرتفعا حتى كان لا يجرى فيه النيل إلا وقت الفيضان، مجاورته للبحائر المالحة كما علمت، فلذا لما عمل العزيز ترعة المحمودية، أمر بسد أفواه تلك البحيرات من جهة البحر المالح، فصارت المحمودية آمنة مما يغيرها ويعطل منافعها.
فهذه الأعمال الجليلة من أعظم أسباب العمارة بتلك المدينة، وكثرة الأهالى والأغراب فيها.