للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت من مواضع نزهته، فبدا له أن يجعل هذا البستان ميدانا للرمى والسباق، فأمر فى سنة أربع وتسعين وخمسمائة بقطع النخل المثمر المستغل الذى كان، وجعله ميدانا، وحرث أرضه، وقطع باقيه.

ومن حينئذ أخذت هذه الجهة فى السكنى، وحكرت أرض البستان كما ذكر ذلك فى موضعه. وفى محل هذا البستان الآن الأماكن التى فى غربى الخليج تجاه جامع الأستاذ الشعرانى، ممتدة إلى الدكة وشارع باب الشعرية، فهو قطعة من البستان المقسى.

وكان العزيز حسن السيرة بمعزل عن الشهوات والطمع فى أموال الناس، وإنما كان ضعيف الرأى، واتفق أن جماعة من أمرائه وأعيانه أشاروا عليه بهدم الأهرام الكبيرة التى بالجيزة، طمعا فى استخراج كنوز ودفائن من تحتها، فأصدر أمره على الفور بمباشرة العمل فى هدمها، فجمعوا لذلك العمال وصناع اللغم، وجعل عليهم بعض الأمراء، فاستغرقوا فى هذا العمل ثمانية أشهر، وكانوا لا يقدرون إلا على خلع حجر أو حجرين فى اليوم، فعدلوا عن هذا الأمر، بعد أن صرفوا عليه أموالا جمة بلا فائدة، وكان ذلك فى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.

وفى سنة أربع وتسعين وخمسمائة، شدّد فى منع ما كان يحصل فى موسم خليج القاهرة من ركوب الزوارق فيه وفعل المنكرات. وكان الناس قد اعتادوا ذلك من القديم، فعظم الأمر عليهم، وحنقوا على العزيز، وتمادى الشغب والاضطراب، حتى هموا بخلعه، والخروج عن طاعته، لولا أن بلغهم خبر موته، وكان ذلك فى سنة خمس وتسعين وخمسمائة.

***

[جلوس المنصور على سرير الملك]

وبموته انفتح باب الفتن. فإنه لما آل الملك بعده إلى ابنه الملك المنصور ناصر الدين محمد بعهد منه، كان عمر المنصور تسع سنين وأشهر، فقام بأمور الدولة بهاء الدين قراقوش الأسدى الأتابك، فاختلف عليه أمراء الدولة، وكاتبوا عمه الملك الأفضل على بن صلاح الدين، فقدم من صرخد، واستولى على الأمور، فلم يبق للمنصور معه سوى الاسم.

وأراد الأفضل أخذ دمشق من عمه العادل، فجهز الجيوش إليها، وحصل بينهما وقائع آل الأمر فيها إلى هزيمة الأفضل، فدخل العادل إلى مصر، وأعاد الأفضل إلى صرخد، وأقام بأتابكية المنصور، ثم خلعه، واستبدّ بسلطنة ديار مصر، وبلاد الشام، وحرّان والرها