لم يوجد فى الأقطار المصرية من المدن الشهيرة التى حفظ المؤرخون حوادثها وقيدوها فى كتبهم مثل مدينة اسكندرية، وإن لم يبق من آثارها القديمة إلا القليل، ولعل سبب حفظهم لحوادثها وإطنابهم فى آثارها، أهمية موقعها عند من حكموا الديار المصرية وغيرهم بالنسبة للتجارة، التى بلغت فيها درجة علائقها الغاية عند جميع الأمم المتفرقة بسواحل البحر الأبيض، فبتلك الواسطة صارت تخت المملكة متسعة الأطراف، قد مدّت شجرة العلوم فيها أغصانها، واتسعت دائرة المعلومات البشرية فى مدارسها، وانجلت غياهب الشك عن حوادثها من ذلك الحين، وصار كل ما سطّر فى صحائف أوراق كتب التاريخ يكشف عن حقائق صحيحة بالنسبة لأحوال هذه المدينة وغيرها، ويبين لنا أسباب خرابها وخراب ما حولها، بذكر التقلبات والحوادث التى كانت تمتد من أطراف هذه الجهة إليها فتعطل أسباب الرزق من المزارع والمتاجر وغيرها.
ولذا نجد فى الكتب وصف أبنية عجيبة وآثار غريبة كانت بهذه المدينة وغيرها من مدن الوجه البحرى، وإن لم يبق الآن منها ما يدل على ما كانت عليه هذه المدينة من العزّ فى الأزمان الماضية.
ولنذكر لك نقلا عن السلف ما شاهدوه وما علموه من أمرها، وكيف انقلب الدهر عليها على حسب الترتيب الزمانى، ليعلم القارئ سلسلة تلك التقليات وما حدث فيها من خير وشر، ويعرف قدر ما كانت عليه من العز والأسباب التى أزالته عنها فنقول: