ولولا أخذ الموت له بغتة، لألحق أهل هذه المدينة بأهل يافا. وبموته كفوا عن القتال، ورجع فى الحال مراد بيك بالعساكر إلى مصر، وكان يروم الاستقلال بحكومتها مكان سيده.
وإبراهيم بيك يرغب فى ذلك أيضا-وفى مدة الحرب كان وكيلا عن سيده-فاستعمل ما تزيد به قوته، فكانت الناس تخاف اتساع دائرة الفتن بينهما، وحصول الحرب الموجب اتساع دائرة الهموم بالقطر المصرى، فحصل اضطراب عام فى القاهرة وسائر البلاد، وكانت الناس لا تتكلم-سرا ولا جهرا-إلا فى هذا الأمر، وأخذوا فى طرق التحفظ على أموالهم وعيالهم. ولكن لم يحصل شئ ممّا تظنه الناس؛ لتساوى قوتى إبراهيم بيك ومراد بيك.
[مطلب اتفاق إبراهيم بيك ومراد بيك]
فاتفقا على المشاركة فى الأمر بالتساوى، مع إبقاء وظيفة مشيخة البلد لإبراهيم بيك، واشترطا شروطا، فكانت مصر كسفينة فيها رئيسان مختلفان فى الرأى: إن طلب أحدهما الشرق يطلب الآخر الغرب، فهى تسير تبعا لريح الشهوات، وما تقطعه بالأمس ترجعه بالغد، لأن كلا منهما كان يرغب فى الانفراد، ويرى أن ذلك لا يتم إلا بموت الخصم- طبيعة أو رغما، أو تخليته، رغبة أو كرها، الأول يستلزم الصبر أو القوة، والتخلى رغبة لا يتصوّر؛ لعدم رضا النفس بذلك إلا بأحد أمور منها: أن الخصم يتخلى من نفسه، ويرضى بالتجرد من علائق الإمرة والعظمة والسلطنة، ويكون تحتّ الطاعة بعد أن كان آمرا ناهيا، متمتعا بنفوذ الكلمة والجاه.
وحيث أن قوة الحرب تستدعى الإكثار من الرجال، وهذا يستدعى كثرة المال، وبالطرق المعتادة كميته منحصرة فى حدود، فلا يبقى إلا الطريق المعتاد التى أسسها الظلم والغدر والعدوان.