ومما تلى عليك من أخبار تلك الدولة، تعلم أن القاهرة فى مدة خلافة الفاطميين التى هى عبارة عن مائتى سنة وثمان سنين، كانت تتسع فى مدة كل خليفة بما يستجد داخلها وخارجها من المبانى الباهرة، والبساتين المزهرة، والقصور المشيدة، والمناظر البديعة، حتى بلغ أول العمران المطرية، وآخره دير الطين، بحيث لا ترى فاصلا بين البساتين والمدينة والعمائر، بل كان يظهر للناظر أن الكل مدينة واحدة، فكان من يذهب من المطرية إلى دير الطين لم يزل بين قصور عامرة، وبساتين مزهرة، وحدائق باهرة، تدهش الناظر، وتشرح الخاطر.
والنيل من بعد عن يمينه غربى تلك الأماكن، والجبل عن شماله مطلا، كالمتفرج على جمال تلك المحاسن، إلا أنه مفصول عنها بفضاء واسع، أحدثت فيه بعد ذلك قرافة المجاورين، وما قاربها.
وبالتفصيل كان الذاهب بعد أن يفارق عين شمس - وهى المطرية - يمر بقرية الخندق - وهى ناحية سيدى الدمرداش ﵁ ويرى وسط البساتين قرية كوم الريش - غربيها محل الزاوية الحمراء الآن -، ثم يكون بين البساتين السلطانية، والمناظر الجليلة الأميرية، إلى أن يصل إلى الميدان الكبير المعد لعرض العساكر التى تسافر إلى الجهاد أمام بابى النصر والفتوح - محل المقابر المجاورة للشيخ يونس ﵁، وما حوله من التلال الآن - وبه يتصل سور البلد، فمتى وصل السور سار بطول الخليج، ورأى عن يمينه بالساحل الشرقى للنيل قرية أم دنين، وإلى جانبها دار الصناعة وقصر الخلفاء، المعد لجلوسهم عند سفر الأسطول. وبعد ذلك من الجهة القبلية بستان الدكة وقصرها على النيل أيضا، وهو الذى كان يجلس فيه الخليفة عند عوده من كسر جسر الخليج كل عام، وبستان المقس، وغيرها من البساتين المعجبة إلى ساحل النيل، يتخللها قصور ومناظر تروق حسنا وجمالا وبهجة وكمالا. وعن شماله منظرة اللؤلؤة، محل مسجد الإمام الشعرانى والبستان الكافورى والميدان الكافورى، وعدة قصور ومناظر تشرف عليهما وعلى الخليج، يرى النيل من بعد، وإذا حاذى باب زويلة وجد عن شماله بالساحل الشرقى للخليج بركة الفيل، محيطا بها عدة بساتين ومبان، وعن يمينه بالساحل الغربى للخليج بستان الزهرى، ويمتد من بستان العدة إلى قنطرة السباع، وتمتد البركة والبساتين المحيطة بها من باب زويلة إلى قلعة الكبش إلى خط السيدة زينب وإلى السيدة نفيسة ﵄. وقد حكّر كل ذلك فيما بعد، وصار حارات، كما ترى.