ثم تولى السلطنة بعده أبو النصر قايتباى الظاهرى المحمودى المذكور سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ولقّب بالملك الأشرف، وهو خيار هذه الطائفة، له ميرات وعمارات شتّى، فى مصر والمدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - وفى مكة المشرّفة وغيرها
فمن آثاره فى مصر جامع بجزيرة الروضة، وجامع بقلعة الكبش، وجامع بباب القرافة، وجدّد عمارات كثيرة بالقلعة، فمن ذلك الإيوان، والمقعد الكبير.
وجدّد أيضا عمارة الميدان الناصرى بالناصرية، بعد أن كان مهجورا، وأنشأ عدة قناطر وجسور فى الأقاليم. ووقف أوقافا كثيرة على عماراته من بلاد وربوع وغيرها.
وله فى الصحراء المدرسة التربة العظيمة، التى لم ير مثلها، وهو من مماليك الظاهر جقمق.
وفى أيامه كانت فتنة شاه سوار بن ذى الغادر، وهى فتنة هائلة، أرسل فيها السلطان العساكر، المرة بعد المرة، وهى تنهزم، وصرف عليها جميع ما فى الخزائن. وأخيرا أرسل تجريدة تحت إمرة الأمير يشبك الدوادار، ففاق على سوار، فأراد سوار إجراء الصلح، فأظهر له يشبك الميل إلى ذلك، ولما حضر بالعسكر عملت له الإكرامات، حتى خدع، ثم قبضوا عليه، بعد أن قتلوا من معه، وأرسل هو وإخوته إلى مصر، فأمر السلطان بتسميرهم وإدارتهم بالقاهرة، ففعلوا بهم ذلك، ثم شنقوهم على باب زويلة، وبقوا كذلك يومين.
وفى سنة أربع وثمانين وثمانمائة حج السلطان، ولم يحج من السلاطين الجراكسة غيره، ورتّب لأهل الحرمين ثمانية آلاف إردب قمحا، لتعمّ الغنىّ والفقير، والحر والعبيد، والذكر والأنثى.
وفى سنة سبع وثمانين وثمانمائة توجهت عساكر مصر تحت إمرة يشبك إلى محاربة حسن الطويل ملك العراقين، فكانت بينهم وقعة عظيمة، انهزمت فيها عساكر مصر، وأسرت أمراؤها، ومات يشبك، وهو صاحب القبة الموجودة الآن بالبلد، التى سمّيت بها قرب المطرية.
وتولى أتابكية العسكر بعده الأمير آق بردى صاحب الدار المعروفة بقاياها الآن بحوش بردق، قبلىّ جامع السلطان حسن، ثم عقب ذلك محاربته مع السلطان محمد ملك الروم من سلاطين الدولة العليّة العثمانية.