وسبب ذلك هدية أهداها بعض تجار الهند إلى السلطان محمد، فسمع بها قايتباى وفيها خنجر مرصّع، فاستحوذ عليها قايتباى، فثارت الحرب بهذا السبب، وحصلت بينهما وقعة، انتهت بنصرة العساكر المصرية، وعودتهم إلى مصر بالغنائم. إلا أن السلطان محمدا لم يزل على نيّة الحرب، فقطع التجارة التى كانت ترد على مصر من بلاد الروم، وكان يتجهز لمعاودة القتال.
وفى أثناء ذلك أحسّ قايتباى من بعض الأمراء المصرية بالشر، لأسباب قطع نفقات العسكر بما كان يضطر إليه من كثرة المصروف، فخلع نفسه من السلطنة بمحضر من الأمراء وغيرهم، فتوقع عليه الحاضرون، وأكثروا فى الرجاء، ثم حصل التراضى على أن السلطان قايتباى ينفق على كل واحد من العسكر خمسين دينارا، ثم حصلت المبايعة له بالسلطنة ثانية.
وانتهى الأمر على ذلك، فشرع فى تحصيل هذه النفقة، ورسم بأن يؤخذ من أملاك القاهرة والأوقاف أجرة شهرين كاملين، فأخذ ذلك، وصرفه على العسكر، فكان فتح هذا الباب على يد قايتباى.
ثم جاءت الأخبار بإغارة العساكر العثمانية على بلاد الشام ثانية، فجهّز قايتباى العساكر لقتالهم، وأرسلهم إلى الشام، فكان بين الفريقين وقعة عظيمة، انتصرت فيها العساكر المصرية، وعادوا إلى مصر بأسارى كثيرة من أمراء وعسكر مع الأمير أزبك - صاحب الجامع الشهير، الذى كان أمام سراى العتبة الخضراء بجهة الأزبكية، وعرفت الأزبكية باسمه، ثم هدم هذا الجامع ولم يبق له أثر.
ومع تكرر النصرة لقايتباى - كما ذكر - أراد حسم الفتنة، وقطع أسباب الشر بينه وبين ملك الروم، فأرسل الأمير جانبلاط بن يشبك إلى السلطان محمد، ليسعى بينهما فى الصلح، فأكرمه السلطان محمد، وتلطّف معه، وأرسل معه قاضيا من قضاة الروم، وعلى يده مفاتيح قلعة كولك، وكانت من أسباب الفتنة، فأكرم قايتباى القاضى، وخلع عليه، وأفرط فى الإحسان إليه وأطلق جميع الأسراء، وخلع على الأمراء منهم، وأرسل إلى السلطان محمد هدية جليلة وتقادم جميلة، فانعقد بينهما الصلح، وخمدت الفتنة.
وفى سنة إحدى وتسعمائة مرض السلطان، وتمادى به المرض، فلما كان اليوم السادس والعشرون من شهر ذى القعدة من تلك السنة أشرف على الموت، فاجتمع الأمراء والعسكر، وأحضروا الخليفة العباسى، وخلعوا قايتباى، وهو فى النزع لا يعلم بشئ، وبايعوا ابنه محمدا.
وفى ثانى يوم توفى السلطان قايتباى، وعمره ست وثمانون سنة، ودفن بتربته، التى فى الصحراء. وكانت مدة سلطنته تسعا وعشرين سنة وشهورا.