للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقام بتدبير الأمور الأميران: سلار نائب السلطنة، وبيبرس الجاشنكير أتابك العساكر وكانت جميع الأمور بيدهما لصغر من الناصر حينئذ، فزهد فى الملك، واحتال حتى مضى إلى الكرك، وكتب إلى الأمراء يقول: إننى قنعت بالكرك، فاطلبوا لكم ملكا تختارونه لما قصرت يدى فى تدبير المملكة بوجود سلار وبيبرس. فأثبت ذلك لدى القضاة بمصر، ثم نفذ إلى قضاة الشام. فكانت مدته فى هذه السلطنة الثانية تسع سنين وأشهر.

وفى أثناء تلك المدة جدّدت بعض عمائر، وحصل مع التتار فى جهات الشام جملة حروب ومنازلات، كان الأمر فيها مرة لهم، ومرة عليهم، وسار فيها الملك الناصر بنفسه وجنده إلى الشام، وحضر القتال مرتين، انكسر فى أولاهما، ونهب ما معه، وكسرهم فى الثانية كسرة عظيمة، وأسر منهم خلقا كثيرا.

وفى بعض هذه المدة قام بعض العرب بالبحيرة، فأرسل عليهم تجريدة، فقهرتهم.

وفيها أمر اليهود بلبس العمائم الصفر، والنصارى بلبس العمائم الزرق، والسامرية بلبس العمائم الحمر تمييزا لهم عن المسلمين.

ومن أهم ما وقع بها زلزلة هائلة، ابتدأت فى شهر ذى الحجة سنة اثنتين وسبعمائة، وأقامت تعاود الناس مدة عشرين يوما، فهدمت بالإسكندرية المنار، وكثيرا من الأبراج والأسوار، وفاض ماء البحر حتى غرّق البساتين، وهدمت بالقاهرة عدة مدارس وجوامع ومساجد، وتشقّق الجبل المقطم، وسقطت الدور على الناس، ومات كثير من أهلها تحت الردم، وخاف الناس وخرجوا إلى الصحراء، واتصلت هذه الزلزلة بأغلب بلاد الشام.

***

[سلطنة ركن الدين بيبرس الجاشنكير]

ولما اعتزل الملك الناصر السلطنة كما ذكر، تشاور الأمراء فيمن يتولاها، فاستقر الأمر من بعده للسلطان ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وتقلد السلطنة سنة ثمان وسبعمائة، وتلقب بالملك المظفر. وهو من مماليك المنصور قلاوون، وكان خيّرا عفيفا، كثير الحياء، جليل القدر، مهيب السطوة فى أيام إمرته.

فلما تسلطن عمل جسر النيل، من قليوب إلى دمياط فى عرض أربع قصبات من أعلاه، وست من أسفله، وأبطل الخمّارات، وترك ما كان مقررا عليها، وشدد فى إزالة المنكرات، وتتبع مواضع الفساد، وبنى الخانقاه العظيمة بالجمالية، وكانت أجل خانقاه بالقاهرة، وقد