ثم حضر أحمد باشا سنة تسع عشرة ومائتين وألف واليا على مصر، وكان الغلاء قد بلغ منتهاه، حتى وصل ثمن الإردب من القمح خمسة عشر ريالا فرانسا، والاضطراب مستمر والعسكر قائم، والأمراء القبالى يعيثون فى البلاد، واحتاطوا بالقاهرة، وخرّبوا ضواحيها كبولاق والشيخ قمر والعدوى والوايلية، فخرج إليهم محمد على وهم بجهة طرة، فكبسهم وهم غافلون، وأوسع فيهم القتل فانهزموا، وتشتّتوا فى الجهات، وحصل بينهم وبين العسكر المتفرقة وقعات بجهة شبرا وأبى زعبل والخانقاه أعقبت خراب تلك الجهات.
ولم تزل العسكر مع ذلك تقوم لطلب الجوامك، ويحصل منهم ما لا خير فيه، والوالى كل مرة يضرب على الأهالى مبالغ، يحصّلها بأنواع الظلم.
ثم إن محمد على بينما هو متجهز للخروج بعسكره إثر الأمراء القبالى، إذ حضر فرقة من عساكر الدلاة من جهة الشام، فأراد محمد على أن يكونوا معه، فامتنع الوالى من ذلك، وحصل بينهما كلام، فأمره الوالى بالخروج من البلد، فامتنع وهاجت الأرنؤود، وخاف كل فريق من الآخر.
وبينما هم على ذلك إذ ورد فرمان بتولية محمد على على جدّة، فأظهر الامتثال، وأخذ فى الاستعداد، فاضطرب العسكر والأهالى لعدم رضاهم بمفارقته البلد.
وفى أثناء ذلك طلب منه العسكر مرتباتهم، فأحالهم على الوالى، ولم يكن بيده شئ، فأغلظوا له فى القول. ولسوء تدبيره قال لهم عليكم بنهب القليوبية، فتفرقوا فى بلادها، ونهبوها، وسبوا النساء، وباعوا الأولاد، فأوغرت صدور الأهالى، وحصل فى قلوبهم بغض الوالى والميل إلى محمد على، لما يرون منه من الحزم والمساعدة. فكان عاقبة ذلك أن كتبوا للدولة بأنهم رضوه واليا، فأجابتهم الدولة لذلك، وصدر له الأمر بولاية مصر فى شهر صفر سنة ألف ومائتين وعشرين، وانقرضت به دولة الغز، وحصل منه معهم ما سيتلى عليك إلى أن انقضى نحبهم، والله يؤتى ملكه من يشاء.