نحو ثلاثين يوما، وصار غالبها تلولا وكيمانا، قال «تقى الدين بن أبى بسر» يرثى بغداد:
لسائل الدمع عن بغداد أخبار … فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا … فما بذاك الحمى والدار ديار
تاج الخلافة والربع الذى شرفت … به المعالم قد أعفى واقفار
أضحى لعطف البلا فى عصفه أثر … وللدموع على الآثار آثار
يانار قلبى من نار الحرب وغى … شبت عليه ووافى الربع إعصار
علا الصليب على أعلى منابرها … وقام بالأمر من يحويه زنار
وكم حريم سبته الترك غاصبة … وكان من دون ذاك الستر أستار
وكم بدور على البدرية انخسفت … ولم يعد لبدور منه ابدار
وكم ذخائر أضحت وهى شائعة … من النهاب وقد حازته كفار
وكم حدود أقيمت من سيوفهم … على الرقاب وحطت منه أوزار
ناديت والسبى مهتوك تجرهم … إلى السفاح من الأعداء ذعار
[[نبذة تاريخية عن بغداد]]
وقد كانت بغداد من أعظم المدائن وأحسنها، ولم تزل دار السلام تنتقل إليها الناس من الأقاليم وتسكنها إلى أن صارت فى زمن الخليفة «المتوكل» مدينة ليس على وجه الأرض مثلها، واستمرت فى عز واقبال وشرف على جميع البلاد، ومثوى كل خائف ومستقر كل عارف إلى سنة خمسين وستمائة فى خلافه «المستعصم بالله» آخر الخلفاء العباسيين، فدمرها التتار وأزالوا معالمها، وكان ابتداء بناء مدينة بغداد فى سنة أربعين ومائة من الهجرة، بناها «أبو جعفر المنصور» ثانى خلفاء بنى العباس فى الجانب الغربى من الدجلة، وأنفق عليها أموالا جزيلة، حتى قيل: إنه أنفق على البناء أربعة آلاف ألف