وخرج إلى بلاده من طريق دمياط، ثم طرد جميع العسكر الدلاة، وألبس فرقة من الأتراك الطراطير بدلهم، ورأس عليهم من أقاربه مصطفى بيك.
وكذا وجه عسكرا لمحاربة أولاد علىّ من عرب البحيرة، لما حصل منهم من كثرة الفتك بالأهالى، فأوقعوا بهم، وقهروهم على الطاعة.
ثم وجّه همته إلى قمع ياسين بيك وحزبه، فإنه كان قد خرج من مصر واجتمع عليه جماعة من الأوباش، فسافر بهم إلى قبلى، وانضم إليه بعض المفسدين من الأمراء والعرب، وأكثر النهب والسلب والإحراق. فأرسل إليه الباشا جمعا التقى معه بالمنية، وانتشب القتال بين الجمعين. وبعد قتال شديد انهزم ياسين بيك، وتفرّق جمعه، وفارقة أكثر أصحابه ثم تراسلوا فى الصلح على أن يحضر إلى القاهرة، فأجاب وحضر. ولما كان طبعه يميل إلى إثارة الفتن والباشا يريد حسمها، استقر الأمر على نفى ياسين بيك قطعا لأسباب الشر، فسفّروه إلى قبرس. وهدأ القطر بخروجه ووجود القبالى بمصر بعض الهدوء.
[[محمد على يسترضى أمراء المماليك ويزيد الضرائب على الأراضى والمحاصيل]]
ولكن الباشا لم يزل متفكرا فى أمر الأمراء، لما يراه من تقلباتهم، وعدم رضاهم، بما يصل إليهم من هباته ومرتباتهم، وإظهار كل منهم أنه الأحق بالأكثر مما لسواه، وطلبه الزيادة على ما أعطاه، وجريانهم مع قبيح تصورهم وطموحهم فى ميدان تهورهم.
ولما كان مضطرا إلى مواساتهم إلى أن يتخلص متى سنحت الفرصة من شرهم، كان لا يمنعهم مطلوبا، ولا يكف عنهم مكروها له ولا محبوبا، فاحتاج لذلك إلى المال، فوجّه نجله إبراهيم بيك إلى جهة بحرى مع كشّاف وكتّاب، ووزع على كل فدان يروى بالنيل أربعمائة وخمسين فضة، وبعد قليل سافر بنفسه وقرّر على قراريط البلد كل قيراط سبعة آلاف وسبعمائة نصف فضة، وسميت هذه كلفة الذخيرة، وبطل مسموح مشايخ البلاد.
ولما دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف شرع فى بناء سراى بجهة شبرا، على النيل فى متسع من الأرض يمتد إلى بركة الحاج، وغرس بها البساتين والأشجار، وأمر ببناء العيون، وكانت متخربة منذ عشرين سنة، مهجورا استعمالها، فشدّد فى عمارتها، وحشرت لها الصناع، وجلبت إليها المهمات حتى تمت.
وفى سنة أربع وعشرين ومائتين وألف احتاج إلى أموال يصرف منها مرتبات العسكر، لإزاحة عللهم، وقطع أسباب فتنهم، فطلب من القبالى ثلث المطلوب من الغلال، وقدره مائة ألف إردب وسبعة آلاف إردب، وطلب على الأطيان زيادة عن عام الشراقى الثلث، ومن الملتزمين نصف مال الالتزام، وجعل المال على الرزق، وأطيان الأوسية.