وكانت العادة أن القضاة بمصر إذا بقى لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوما على المساجد والمشاهد بمصر والقاهرة، يبدأون بجامع المقس، ثم القاهرة، ثم المشاهد، ثم القرافة، ثم جامع مصر، ثم مشهد الرأس، لنظر حصر ذلك، وقناديله وعمارته وما تشعث منه، وما زال الأمر على ذلك، إلى أن زالت الدولة الفاطمية، فلما استقرت دولة بنى أيوب أضيفت الأحباس أيضا إلى القاضى.
[تفريق الأحباس]
ثم تفرقت جهات الأحباس فى الدولة التركية، وصارت إلى يومنا هذا ثلاث جهات:
الأولى تعرف بالأحباس، ويليها دوادار السلطان، وهو أحد الأمراء، وهو ناظر الأحباس، ولا يكون إلا من أعيان الرؤساء، ولها ديوان فيه عدة كتّاب، وأكثر ما فيه الرزق الإحباسية، وهى أراض من أعمال مصر على المساجد والزوايا للقيام بمصالحها، وعلى غير ذلك من جهات البر، وبلغت الرزق الإحباسية فى سنة أربعين وسبعمائة-عند ما حررها النشو ناظر الخاص فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون-مائة ألف وثلاثين ألف فدان.
الجهة الثانية تعرف بالأوقاف الحكمية بمصر والقاهرة، يليها قاضى القضاة الشافعى، وفيها ما حبس من الرباع على الحرمين، وعلى الصدقات، والأسرى وأنواع القرب، ويقال لمن يتولى هذه الجهة ناظر الأوقاف، فتارة ينفرد بنظر أوقاف مصر والقاهرة رجل واحد من أعيان نواب القضاة، وتارة ينفرد بأوقاف القاهرة ناظر من الأعيان، ويلى نظر أوقاف مصر آخر، ولكل من أوقاف البلدين ديوان فيه كتّاب وجباة، وكانت جهته عامرة يتحصل منها أموال جمة، فيصرف منها لأهل الحرمين أموال عظيمة فى كل سنة تحمل من مصر إليهم، ويصرف منها أيضا بمصر والقاهرة لطلبة العلم، ولأهل الستر والفقراء شئ كثير، ثم تلاشى أمر ذلك، وكأنه لم يكن شيئا مذكورا.
الجهة الثالثة الأوقاف الأهلية، وهى التى لها ناظر خاص، إما من أولاد الواقف، أو من ولاة السلطان أو القاضى، وفى هذه الجهة الخوانك والمدارس والجوامع والترب، وكان متحصلها قد خرج عن الحد فى الكثرة لما حدث فى الدولة التركية من بناء المدارس وغيرها، ثم صاروا يفردون أراضى من أعمال مصر والشامات، وفيها بلاد مقررة، ويقيمون صورة يتملكونها بها، ويجعلونها وقفا على مصارف كما يريدون.