وبينما هو مشتغل بذلك نشأت الحرب المهولة الشامية، وسببها أن الباشا التمس من السلطان ضم ولاية الشام إلى ولاية مصر بدلا مما استرد بحكم الحوادث من ولاية مورة حسب سابقة الاتفاق، فلم تسمح الدولة بغير جزيرة كريد، فرأى الباشا أنها لا تكفى إلا أنه سكت.
ولم يمض غير قليل، حتى عنّ له أن يطالب عبد الله باشا والى الشام بما له فى ذمته من المبالغ التى كان أقرضه إياها من قبل عشر سنين. وذلك أن عبد الله باشا المذكور كان فى تلك المدة قد أظهر العصيان للدولة، فعزلته عن تلك الولاية، حتى توسط محمد على باشا فى العفو، فقبلت الدولة، على أن يدفع ستين ألف كيس، ورأى أن هذا المبلغ صعب تحمله ولكن حيث كان متحتم الأداء، التزم بالتسديد، واستعان بمحمد على باشا، فأعانه بخمس المبلغ، ومضى على ذلك ما مضى ولم يطالبه الباشا بالمبلغ تكرما، ولم يخطر بباله هو أن يدفع ما اقترضه، حتى كاتبه الباشا فى طلب المبلغ، فأجاب بجواب واه حجته، فتغير خاطر الباشا.
ثم عقب ذلك بلغ الباشا أن عبد الله باشا يساعد الفارين من مصر، ويهرّب بضائعها من الجمارك، ويحسّن لهم استيطان الشام، فكاتبه الباشا فى ذلك.
ولما لم تأت المكاتبة بفائدة جهّز جيوشه المصرية لقتاله، بعد أن كاتب الدولة، وأمّر على الجيوش ابنه إبراهيم باشا، فسار بتلك الجيوش العظيمة إلى الشام، وتتابعت العساكر برا وبحرا، فاستولى بلا ممانع على يافا وحيفا، وسار إلى قلعة عكا وبها عبد الله باشا الوالى، وكانت حصينة فحاصرها، وضيّق عليها الحصار ستة أشهر، ثم والى عليها الهجمات، حتى افتتحها عنوة، وأخذ الوالى أسيرا، وصيّره إلى الإسكندرية، فقابله بها محمد على باشا بالإجلال، وعامله بالإحسان.
ولما بلغ الخبر رجال الدولة أخذهم العجب لمعرفتهم أن هذه القلعة من أمنع القلاع.
ولما تمكن إبراهيم باشا من عكا قام إلى غيرها، فكلما ورد بلدا أو نزل قبيلة أذعن له أهلها.
ولما رأت الدولة العلية توغله فى بلادها بعساكره أرادت صدّه بعساكر أخرى، فحصلت بين الفريقين وقعات شديدة، إحداها بقرب حمص، وأخرى بمضيق بيلان بالقرب من بعلبك.