وأما محمد بيك الألفى المتقدم ذكره، فهو-كما فى تاريخ الجبرتى-الأمير الكبير، والضرغام الشهير محمد بيك الألفى المرادى، جلبه بعض التجار إلى مصر فى سنة تسع وثمانين ومائة وألف، فاشتراه أحمد جاويش، المعروف بالمجنون، فأقام ببيته أياما، فلم تعجبه أوضاعه، لكونه كان مماجنا سفيها ممازحا، فطلب منه بيع نفسه، فباعه لسليم أغا الغزاوى، المعروف بتمرلنك، فأقام عنده شهورا، ثم أهداه إلى مراد بيك فأعطاه فى نظيره ألف أردب من الغلال، فلذلك سمى بالألفى، وكان جميل الصورة فأحبه مراد بيك، وجعله جوخداره، ثم أعتقه وجعله كاشفا بالشرقية، وعمر دارا بجهة الخطة المعروفة بالشيخ ظلام وأنشأ هناك حماما بتلك الخطة، عرفت به، وكان صعب المراس، قوى الشكيمة، وكان بجواره على أغا المعروف بالمتوكلى، فدخل عنده يوما وتشفع فى أمر فقبل رجاءه ثم نكث فحنق منه واحتد ودخل عليه فى داره يعاتبه، فرد عليه بغلظة، فأمر الخدم بضربه فضربوه وبطحوه، فتألم لذلك ومات بعد يومين، فشكوه إلى أستاذه مراد بيك فنفاه إلى بحرى فعسف بالبلاد مثل فوة وبرنبال ورشيد، وأخذ من أهلها أموالا، فتشكوا منه إلى أستاذه، وكان يعجبه ذلك، وفى أثناء ذلك وقع خلاف بمصر بين الأمراء، ونفوا سليمان بيك وأخاه إبراهيم بيك ومصطفى بيك، فأرسله إليه أستاذه أن يتعين على مصطفى بيك ويذهب به إلى إسكندرية منفيا ثم يعود هو إلى مصر، ففعل ورجع المترجم إلى مصر، فعند ذلك قلدوه الصنجقية، وذلك فى سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف، واشتهر بالفجور، فخافته الناس وتحاموا به، وسكن أيضا بدار ناحية قوصون، وهدم داره القديمة ووسعها وأنشأها إنشاء جديدا واشترى المماليك الكثيرة، وأمر منهم أمراء وكشافا، فنشأوا على طبيعته فى التعدى والعسف والفجور والتزم بإقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية والبحرية، وتقلد كشوفية شرقية بلبيس، ونزل إليها، وكان يغير ما بتلك الناحية من إقطاعات وغيرها، وأخاف عربان تلك الجهة ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحى، حتى خافه الكثير من القبائل، وفرض عليهم المغارم.