للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[ترجمة الشيخ شمس الدين الدروطى]]

قال الشعرانى فى طبقاته (١): ومن أهل الله تعالى شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى الإمام الصالح الورع الزاهد شمس الدين الدروطى ثم الدمياطى الواعظ. كان بالجامع الأزهر أيام السلطان قانصوه الغورى، وكان مهيبا عند الملوك والأمراء، زاهدا مجاهدا صائما قائما، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. وكان مجلسه بالأزهر تفيض منه العيون، وكان يحضره أكابر أمراء الدولة وأمراء الألوف وكل واحد يقوم من مجلسه متخشعا ذليلا صغيرا، .

وكان إذا مر بشوارع مصر يتزاحم الناس على رؤيته، وكان من لم يحصّل ثوبه رمى بردائه من بعيد على ثيابه ثم يمسح به وجهه.

وكان شجاعا مقداما فى كل أمر مهمّ، وحطّ مرة على السلطان الغورى فى ترك الجهاد فأرسل السلطان خلفه، فلما وصل إلى مجلسه، قال للسلطان: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-فلم يرد-فقال: إن لم ترد السلام فسقت وعزلت».

فقال: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته». ثم قال: «علام تحط علينا بين الناس فى ترك الجهاد وليس لنا مراكب نجاهد فيها». قال: «عندك المال الذى تعمر به».-فطال بينهما الكلام-فقال الشيخ: «قد نسيت نعم الله عليك وقابلتها بالعصيان، أما تذكر حين كنت نصرانيا ثم أسروك وباعوك من يد إلى يد، ثم منّ الله عليك بالحرية والإسلام ورقاك إلى أن صرت ملكا سلطانا على الخلق، وعن قريب يأتيك المرض الذى لا ينجح فيه طب، ثم تموت وتكفن، ويحفر لك قبر مظلم، ثم يدسون أنفك هذا فى التراب، ثم تبعث عريانا عطشانا جوعانا، ثم توقف بين يدى الله الحكم العدل الذى لا يظلم مثقال/ذرة، ثم ينادى المنادى من كان له حق أو مظلمة على الغورى فليحضر، فيحضر خلائق لا يعلم عدتها إلا الله تعالى».

فتغير وجه السلطان من كلامه، فلما ولى الشيخ وأفاق السلطان، قال: «ائتونى


(١) الطبقات الكبرى للشعرانى. القاهرة، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح د. ت. ج ٢، ص ١٦٤.