كان جلوسه-﵀-على تخت الديار المصرية فى سنة ١٢٦٤ هجرية، ومن ذاك الحين إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى، لم يغير السير السياسى-الذى كان رسمه جده وعمه من قبله-لسياسة هذه الديار، بل سار فى هذا الطريق بقلبه وقالبه، لأنه كان لا يرى وجها للعدول عنه إلى غيره؛ لما اشتمل عليه المنافع والفوائد الجمة للقطر وأهله.
وقد نشأ عن هذا السير، التقدم فى التجارة والثروة فى الإسكندرية وغيرها من بلاد القطر، ومن محافظته على القوانين الموضوعة لرواج الفلاحة نما محصولها، ومن جودته كثرت الرغبة فى الفلاحة حتى من الأمراء والأعيان، فزرعت أراضى كثيرة من الأراضى المتروكة، واتسع زمام القطر ودائرة الرزق، وسرى بشير الثروة فى نواحى القطر، فعم القاصى والدانى، وكان-﵀-لا يكثر من الإقامة بالإسكندرية، إلا أنه كان مهتما بشأنها، لما كان يعلمه من أهميتها وعظم موقعها من هذا القطر، فشملها بعنايته واجتهد فى تتميم ما شرع فيه زمن جده وعمه، رحمهما الله تعالى، وبنى برأس التين سراية أعدّها لإقامة مجلس التجار، وصمم على عمل خمسة ميادين فيها لتكون فى زمن الهدنة محلا للتفسح والألعاب، وفى زمن الحرب مجتمعا للعساكر لتوجيهها إلى محل اقتضائها، وصدرت أوامره بفتح شارع مستقيم يقسم مدينة الإسكندرية نصفين، من باب شرق إلى باب المحمودية، على أن يكون هو الشارع العمومى، واشترى جميع ما بجانبه من الأملاك، وفتح منه بالفعل جزءا عظيما من باب شرق إلى جنينة (جرجس حزام) وبعد وفاته صرف عنه النظر، فأنعم به المرحوم سعيد باشا على الأهالى، فبنوا به المنازل والخانات المشهورة الآن، وجدد فى المنشية عمارة جسيمة، فى محل سبيل قديم من زمن العرب، وكانت هذه العمارة تعرف بالإلهامية نسبة إلى ابنه إلهامى