ولما وصل الأمر إلى السيد عمر أقام السيد المحروقى وكيلا على أولاده، وسافر إلى دمياط، فتجارؤوا على أخذ ما كان بيده، وأكثروا التودد والرجاء، فطلب الشيخ المهدى من الباشا أن يعطيه نظارة وقف الإمام الشافعى ﵁ وسنان باشا، فأعطاهما إياه، ثم طلب صرف ما هو متأخر لهما، فصرف له، وهو مبلغ قدره ثلاثة وعشرون كيسا، ثم نمقوا محضرا ذكروا فيه أسباب عزله ونفيه، وختم عليه المشايخ سوى مفتى الحنفية الشيخ الطحطاوى، فنفروا منه، وابتنى على ذلك انفصاله من منصب الإفتاء، وتعيين الشيخ منصور بدله.
ثم رأى الأمراء أنهم إن داموا على حالهم بمصر ضعفت سلطتهم، فاتفقوا على الخروج من مصر، فخرجوا إلى قبلى، واتحدوا مع جاهين بيك وغيره، وجعلوا يغرون العرب والمفسدين، حتى كبر حزبهم، وخافهم الباشا، فقام بنفسه، وأخذ عساكره، وخرج إليهم فى شعبان من تلك السنة، وجعل نائبه فى البلد كتخدا بيك، وهو محمد بيك لازوغلى.
[[محمد على يسترضى المماليك ويحارب إبراهيم بيك]]
فلما قرب منهم، راسلهم فى الصلح، وكان الكثير خرج على غير خاطره، لما ذاق من حلاوة الراحة ورفاهية المعيشة، فتجرّع غصص الكرب فى ميدان الحرب، فما صدق أن سمع بأمر الصلح، فطار فؤاده فرحا، والضم إلى الباشا، فأغدق عليهم، وأظهر لهم البشاشة واللين، وتذرع الصبر على مضض ما يقاسيه منهم، لأنه كان على يقين من أنهم ما داموا فى مصر لا يصفو عيش، ولا يستريح بال، لكنه كان يترقب سنوح الفرصة فيستريح.
وأول من جاء منهم محمد بيك المنفوخ، فأعطاه جمرك بولاق، ثم عوّضه عنه ستين كيسا، ثم تلاه جاهين بيك، ونعمان بيك، وأمين بيك، ويحيى بيك، فأنعم على كل منهم بعشرين كيسا. وشرعوا فى شراء بيوت، وبناها لهم الباشا على مصروفه، وألحق تلك العطايا بسبعة آلاف ريال لكل منهم، فاطمأنت خواطرهم، واشتغلوا بتنعماتهم، والباشا يلين لهم جانبه، ويتلطف بهم، حتى خضعوا له. ولم يبق مخالفا لهم إلا إبراهيم بيك الكبير، فإنه لما حضر وقت الصلح إلى الجيزة ولم تضرب المدافع لقدومه تغيّر خاطره، ونفر طبعه، ونقض الصلح، ورجع إلى قبلى مع جماعة ممن كان على رأيه، وانضم إليهم بعض قبائل العرب، ولكن لم يجد نفعا، فإنهم فروا عنه، عند ما رأوا عسكر الباشا تقفوا أثرهم، وقد ملكت المنية.