الذى بقوصون، فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلا، وملكوا القلعة والأبواب والجهات، والمترجم فى غفلته آمن فى بيته مطمئن من قبلهم، فلم يشعر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع، وكان المزين يحلق له رأسه، فسقطت الجلل على داره، فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدا ووجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحى، فحارب فيهم إلى قرب الظهر، وخامر عليه أتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل لبيت الراحة فأصابته فى ساقه، وهرب مملوكه إلى الأخصام، وكانوا وعدوه بإمرة إن قتله، فلما حضر إليهم وأخبرهم بما فعله أمر على بيك بقتله، فشفعوا فيه ونفى، وعند ما أصيب المترجم طلب الخيول وركب وخرج من نقب نقبه فى ظهر البيت، فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة، فلم يتبعه أحد، ونهبوا داره، ثم سار إلى جهة الصعيد، فمات بشرق أولاد يحيى، ودفن هناك، وكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة أشهر (انتهى باختصار).
[ترجمة طاهر باشا الكبير]
وأما طاهر باشا الكبير، فهو-كما فى الجبرتى أيضا-الأمير الكبير طاهر باشا الأرنؤدى كان محافظا على الديار المصرية من طرف الدولة، ثم تغلب عليها وصار واليا نحو ستة وعشرين يوما، وكان كثير المصادرات ويحب سفك الدماء، وكانت له دار بالحبانية وهى التى قتل فيها، وسبب قتله أن طائفة الانكشارية كانت كلما تطلب منه شيئا من حماكيهم يقول لهم:
ليس لكم عندى شئ، فاذهبوا وخذوه من محمد باشا، فضاق خناقهم، وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والى المدينة.
فلما كان فى اليوم الرابع من شهر صفر سنة ثمانى عشرة ومائتين وألف، ركبوا من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم وأسلحتهم كما هى عادتهم، وخلفهم كبراؤهم: منهم إسماعيل أغا وموسى أغا، وذهبوا إلى طاهر باشا وسألوه فى جماكيهم، فقال لهم: ليس لكم عندى إلا من وقت ولايتى، وإن كان لكم شئ مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا، فألحوا عليه فنتر فيهم، فعاجلوه بالحسام، وضربه أحدهم فطير رأسه ورماه من الشباك إلى الحوش، وسحبت طوائفهم الأسلحة، وهاجوا فى أتباعه الأرنؤد فقتلوا منهم جماعة، واشتعلت النار فى الأسلحة والبارود الذى فى أماكن الباعة، فوقع