هذه المدينة الفخيمة وضعها الفاطميون سنة ثمان وخمسين وثلثمائة من الهجرة، وذلك أنه لما توالى الغلاء، وتتابعت الشدائد، وحصل الإدبار، وعجز رجال الدولة عن إدارة الأمور، واختل حال الأقاليم المصرية، قام المعز لدين الله أبو تميم معدّ، وأغار على مصر فى أيام الإخشيديين، وقام إليها تابعه جوهر قائد عساكره، فانتزعها من أيديهم، ودخل الفسطاط بالعساكر فى السنة المذكورة. وكانت الفسطاط اذ ذاك مدينة كبيرة، وكانت محل الأمراء، ومستقر ملكهم، وإليها تجبى ثمرات الأقاليم، وكان لها من وفور العمارة، وكثرة السكان، وسعة الأرزاق، ما تفتخر به على مدن المعمورة.
وكان حدها الشرقى من باب القرافة تحت قلعة الجبل، ممتدا إلى كوم الجارح إلى بركة الحبش، وهى أرض البساتين.
والحد الغربى قناطر السباع إلى دير الطين، ممتدا على ساحل النيل.
والحد القبلى من شاطئ النيل عند دير الطين إلى نهاية الحد الشرقى حيث البساتين.
والحد البحرى من قناطر السباع إلى قلعة الجبل.
وما بين تلك الحدود كان مشحونا بالعمارة من الدور الفاخرة والأسواق والمبانى. وكان منها العسكر والقطايع.
وكل ذلك تخرّب واندرست معالمه، ولم يبق منه إلا القليل جدا؛ كخط السيدة زينب ﵂، وخط الكبش، والجامع الطولونى، والسيدة نفيسة ﵂، إلى آخر ثمن الخليفة، وما حول الرميلة وقراميدان. فإذا خرج الإنسان من بوابة السيدة نفيسة إلى العيون، وقلب طرفه فى تلك الصحراء الواسعة يرى أثر العمائر أطلالا وتلالا مرتفعة فى بحرىّ العيون وقبلّيها، وخلف العامر من مصر العتيقة، وجهة الإمام الشافعى وأبى السعود الجارحى ﵄، والدير الكبير المعروف قديما بقصر الشمع، وجهة الرصد، وهو الجبل المرتفع على أرض البساتين من بحريها وغير ذلك.