وتلاها غارة سانت لويز سنة ١٢٤٨ على الديار المصرية، ولم تضر بالقطر إنما أضرت بإسكندرية؛ لأن الفرنساوية والبندقيين أضرموا فيها النار، وتركوها حين علموا أنهم لا يمكنهم الإقامة بها، وذلك سنة ١٢٥٠.
وعلى نسق الفاطميين اتخذ الأيوبيون القاهرة تخت مملكة، وزادوا فى زخارفها بما أحدثوه فيها من المبانى/العظيمة، واتسعت دائرة العلم فيها بعناية صلاح الدين وخلفائه من حين إلى حين.
وأما إسكندرية فإنها كانت آخذة فى الانحطاط.
[مطلب واقعة التتار]
وحيثما كانت مصر تتقلب فى شباك هذه التقلبات، كانت جهة شمال آسيا عرضة لأمر فظيع، لم يسمع بمثله، وهو أن (جانجيسخان) بعد أن آلت له الرياسة على جميع قبائل التتار، كان يترقب فرصة الإغارة على البلاد المجاورة وينهبها. فلم يمض عليه زمن إلا وحصل ما يرومه، وأغار على بلاد بلخ بدعواه أن ملكها تعدى على تجار تحت حمايته، وسبى أهلها ودمر بلادها.
وكذلك أغار على الفرس، وحصل من ذلك هول عظيم لجميع سكان هذه البلاد.
وفى هذه الغارة الفظيعة، حصل ما لم يسمع بمثله، وعم النهب والسبى والحرق والقتل جميع مدن هذه الممالك وقراها.
ولم يكتف بهاتين المملكتين بل تعدى إلى بلاد الروسيا وغيرها، وأوجب الخراب لكافة بلاد هذه الجهات، ونتج من ذلك دخول المماليك أرض مصر، وزوال سلطنة الأيوبيين منها؛ لأن التتار بعد أن فعلوا ما فعلوا، ساقوا الأهالى على الأسواق المعلومة فى آسيا، فملئت، وصاروا يبيعونهم بأنجس الأثمان، فاستحوذ سلطان مصر الملك العادل (١) -بسبب
(١) الصحيح «الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل الأيوبى». انظر: سعيد عاشور: العصر المماليكى فى مصر والشام، ط. أولى، ص ٤ - ٥، القاهرة ١٩٦٥.