وفى محرم سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف حصل بين القبالى والعسكر مقتلة هائلة، قتل فيها كثير من الفريقين، وانهزم العسكر، ووصل الأمراء إلى انبابة، صحبة شاهين بيك الألفى، ثم تحوّل بهم إلى دمنهور، ومنها عدّى إلى المنوفية، فتخربت تلك الجهات، وتشتت أهلها، وكان الحرب منتشبا بالجهات القبلية، وانهزمت العساكر أيضا بالمنية.
وكان الجناب الخديوى، مع ورود هذه الأخبار، لا يتزحزح عن عزمه، ولا يترك تلافى الشدائد بالحزم، ويوجّه ما أمكنه من العساكر، ولا يصرف النظر عن استمالة الأهالى، بل لم يزل ساعيا فى مراضيهم، لا يصدر إلا عن رأى المشايخ، فجعلوا يبذلون الجهد فى مساعدته، حتى بلغ ما أراد، فانه لما حضر الأمر برفقة قبطان باشا فى هذه السنة بعزله عن مصر، وتوليته سلانيك، وجعل موسى باشا واليا بدله، كتب العلماء والوجوه، وأمراء العسكر محضرا إلى الدولة، وأرسلوه صحبة إبراهيم بيك نجله الأكبر، يترجون أن يبقى واليا، لما رأوا من حسن إدارته.
فبعد قليل حضر الأمر ببقائه، وتعيين ابنه إبراهيم بيك دفتردارا. وكان الذى حسّن للدولة، عزله عن مصر هى الدولة الإنكليزية، ليتمهد الأمر للألفى، ويتسنى لهم مساعدته.
وكان الألفى قد سافر إلى بلاد الإنكليز مصاحبا لهم حين خرجوا من مصر، واتفق معهم على أن يساعدوه. فلذلك حسّنوا للدولة ما حسّنوا، وأرسلوا إلى الألفى بحوش عيسى، فكاتب الأمراء القبالى يخبرهم بما تم لهم من العفو بمساعدة الإنكليز لهم، وحضور الوالى الجديد، ويحثهم على الاتحاد واغتنام الفرصة، ويعلمهم أن قبطان باشا مساعدهم أيضا على بعض مطاليب عيّنها، وأن يحضروا حتى يتروى معهم، فيما يلزم اتباعه.
فتشتتوا فى رأيهم، وامتنعوا من إجابته وأبوا الحضور، وكذا كاتب قبطان باشا الإنكليز والأمراء، فوقعت بعض مكاتباته فى يد الباشا، فوقف منها على ما يرام، فراسل قبطان باشا واستماله، فرأى أن الميل إلى الباشا أوفق، مع تباطئ الأمراء عن إجابته، فأخذ يدبر بنفسه لمحمد على باشا التدابير، وأمره بإعمال المحضر السابق، وتصالح معه على مبلغ يدفعه للدولة، فخاطب الباشا العلماء، فبادروا إلى ما أمر، وتم له ما تم.
ولما حضر الأمر برجوعه واليا نهض إلى تجريد التجاريد، وأخذ فى حرب الأمراء بجهة قبلى، والألفى بجهة بحرى لأنه كان حاصر دمنهور والأهالى تمانعه عنها. وكان الباشا يخشاه لجسارته وإقدامه ودهائه وذكائه، ويبذل الهمة فى استمالته إلى أن اخترمته المنية عقب هذه الحادثة بغتة بجهة المحرقة، ففرح الباشا بموته.