وبعد قليل حضر قبطان باشا بأوامر تعضد ما سبق، فلم يصغ لها ظنا أن ذلك كله شباك حيل تنصب له، وراسل الأمراء القبالى، وطلبهم لمساعدته، فوقع بعض المكاتبات فى يد الخديو محمد على، فأخذ حذره.
فبعد قليل حضروا إلى الجيزه، وعدّى بعضهم إلى البر الشرقى، واحتاطوا بالبلد، ودخلها الكثير منهم من باب الفتوح والحسينية، وتوجّه بعض كبرائهم إلى السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوى وغيرهما، يدعونهم إلى نجدتهم والقيام بنصرتهم، فلم يقبلوا منهم، فخرجوا خائبين.
وكان الجناب الخديوى مذ بلغه خبرهم أرسل جندا لضبطهم، فأدركوا بعضهم قد خرج من البلد، فأوقعوا بمن أدركوه منهم بالسكرية والدرب الأحمر، وهرب بعضهم إلى جامع البرقوقية فاختفى به، وبعضهم تسلق فوق السور، من خلف الجامع فنجا، ومن اختفى بالمسجد دلّ عليه، وكانوا نحوا من خمسين رجلا، فلما أحضروهم بالأزبكية إلى داره، وكان يريد الركوب، فرح بالظفر، وأمر لمن أحضروهم بالعطايا، وأحضر الجزارين، وأمر بقتلهم.
وشاع ذكر هذه الواقعة فى سائر الأطراف، فهابه الأعداء، وكان يظن أن هذه الحادثة تفسد عليه ما دبّره، فكانت على خلاف ما ظنّ، إذ أدخلت على أعدائه الرعب، فخرج أحمد باشا، وخرج عسكر الدلاة العصاة على وجوههم، وانتشروا بالجهات البحرية ينهبون ويسلبون، فوجه خلفهم حسن باشا الأرنؤودى، ومحمد بيك المبدول، وعمر بيك الأشقر بعساكرهم، فأجلوهم من البلاد، واحتاطوا على جميع ما سلبوه، وذهب أولئك إلى الشام مدحورين.
وأما الأهالى فإنهم فى هذه المدة كانوا متقلّبين على جمرات البلايا، غارقين فى بحار الشدائد، فالأرنؤود تنهب البيوت، وتخطف ما يرد من البضائع ويبيعونه بأغلى الأثمان، حتى انعدم اللحم والسمن بعد شدة غلائهما، وتتعرض لنساء الأمراء الغنيات، بقصد تزوجهن.
والعسكر تقوم بسبب الجوامك، فلا يجد بدا من توزيعها على الطوائف والتجار، ثم توجه فكره إلى الالتزامات، فتكلّم مع العلماء فى ذلك، فاتفق الرأى على أخذ ثلث الفائض منها، وكل ما يتحصل يصرف فى شؤون التجاريد وطلبات العسكر، وليس بالكافى مع ما ضرب على النواحى، وطلب من المديريات أموال سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف مقدما، وتعين الكشاف للتحصيل، فكان الكاشف يعين من طرفه المأمورين، ومعهم قوائم بالمطلوب من كل بلد، مع ما يتبع ذلك، كقوائم البشارات، وأوراق تقبيل اليد، وحق الطريق، ولبس القفطان، مع طلب العرب العلائق والكلف.