لما كان أعظم الأهرام وأعجبها وأشهرها هى أهرام الجيزة الثلاثة؛ كان أكثر كلام المتكلمين على الأهرام دائرا على هذه الثلاثة، وهى مطمح أنظار السياحين والمتفرجين والناثرين والناظمين.
قال المقريزى قال فى كتاب (عجائب البنيان): قد إنفردت مصر بهذه الأشكال (يعنى الأهرام) فليس لها بغيرها مثال، ثم قال:
وقد سلك فى بناء الأهرام طريق عجيب من الشكل والإتقان؛ ولذلك صبرت على ممر الأيام، لا بل على ممرها صبر الزمان. فإنك إذا تأملتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها، والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها، والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثالا فى غاية إمكانها حتى أنها تكاد تحدّث عن قوة قومها، وتخبر عن سيرتهم، وتنطق عن علومهم وأذهانهم، وتترجم عن سيرهم وأخبارهم؛ وذلك أن وضعها على شكل مخروط، ويبتدئ من قاعدة مربعة، وينتهى الى نقطة.
ومن خواص الشكل المخروط أن مركز ثقله فى وسطه يتساند على نفسه ويتواقع على ذاته، ويتحامل بعضه على بعض، وليس له جهة أخرى يتساقط عليها. ومن عجيب وضعه أنه شكل مربع قد قوبل بزواياه مهاب الرياح الأربع؛ فإن الريح تنكسر سورتها عند مسامتها الزاوية، وليست كذلك عند ما تلقى السطح.
قال: والأهرام المتحدث عنها ثلاثة أهرام موضوعة على خط مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط، وبينها مسافات كثيرة وزوايا متقابلة نحو الشرق، وإثنان عظيمان جدا فى قدر واحد وهما متقاربان ومبنيان بالحجارة البيض. وأما الثالث فصغير عنهما نحو الربع، وتجده صغيرا بالقياس إلى ذينك، فإذا أتيت إليه وأفردته بالنظر، هالك مرآه وحير النظر فى تأمله.