وفى طبقات الشعرانى أن هذا الأستاذ هو العارف بالله سيدى أبو السعود الجارحى، من أجل من أخذ عن الشيخ شهاب الدين المرحومى، وكانت له فى مصر الكرامات والتلامذة الكثيرة والقبول التام عند الملوك والوزراء وغيرهم، وكانوا يحضرون بين يديه خاضعين، وعملوا بأيديهم فى عمارة زاويته فى حمل الطوب والطين، وكان كثير المجاهدات والعبادات ينزل فى سرب تحت الأرض من أول رمضان فلا يخرج إلا بعد العيد بستة أيام.
وقال يوما: إنى من حين عملت شيخا فى مصر لى سبع وثلاثون سنة ما جاءنى قط أحد يطلب الطريق إلى الله تعالى ولا يسأل عن حسرة ولا عن فترة ولا عن شئ يقربه إلى الله تعالى، وإنما يقول: أستاذى ظلمنى، امرأتى تناكدنى، جاريتى هربت، جارى يؤذينى، شريكى خاننى، فكلت نفسى من ذلك وحننت إلى الوحدة وما كان لى خيرة إلا فيها، فياليتنى لم أعرف أحدا ولم يعرفنى أحد.
وجاءه مرة أمير بقفص موز ورمان فرده عليه. فقال: هذا لله. فقال الشيخ: إن كان لله فأطعمه للفقراء. فأخذه الأمير ورجع به إلى بيته. فأرسل الشيخ فقيرين بصيرا وضريرا وقال: الحقاه وقولا له أعطنا شيئا لله من هذا الموز والرمان. فلحقاه وطلبا منه لله فنهرهما ولم يعطهما. فأخبرا الشيخ بما وقع فأرسل إليه يقول له: تقول هذا لله وتكذب وتنهر من يقول أعطنا لله فلا عدت تأتينا بعد اليوم أبدا.
ولما حضرت الشيخ الوفاة أرسل إلى شيخ الإسلام الحنفى وجماعة وقال: أشهدكم أنى ما أذنت لأحد من أصحابى فى السلوك. فما منهم أحد شم رائحة الطريق. ثم قال: اللهم اشهد.
اللهم اشهد. اللهم اشهد. وكان يقول: لا تجعل لك قط مريدا ولا مؤلفا ولا زاوية وفرّ من الناس فإن هذا زمان الفرار. وسمعته مرة يقول لفقيه من الجامع الأزهر:
متى تصير هاء الفقيه راء؟.
مات رحمه الله تعالى سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو فى السرداب الذى كان يعتكف فيه، وقد حصل لى منه دعوات وجدت بركتها. انتهى/باختصار.
وفى ابن إياس من حوادث سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة أنه لما مات السلطان الغورى واتفق رأى أمراء مصر على تولية الأمير طومان باى الدوادار السلطنة، امتنع من ذلك غاية الامتناع والأمراء جميعا ملحون عليه، يقولون: ليس عندنا من يصلح للسلطنة إلا أنت،