(قلت): وهذا الإصطبل صار يتنقل من مالك إلى آخر حتى انتقل فى ملك الأمير أقبردى الدوادار الكبير، الذى حرفت اسمه العامة وسمته بردق، وهو كما فى «ابن إياس» الأمير أقبردى بن على. كان أميرا جليلا، رئيسا حشما، بشوشا متواضعا، كريما سخىّ النفس، فى سعة من المال، وكان أصله من مماليك السلطان الأشرف قايتباى، ثم ظهر أنه قريبه فدنا منه وقربه ورقّاه فى أيامه إلى منتهى الرياسة. وتولّى عدة وظائف جليلة، منها الدوادارية الكبرى، وأمرية السلاح، والأستدارية، والوزارة، وكاشف الكشّاف. وكان عديل السلطان متزوجا ببنت العلاى على بن خاص بيك أخت خوند الخاصكية. وكان صاحب العقد والحل بالديار المصرية، وكان وافر الحرمة، نافذ الكلمة، شديد العزم، شجاعا بطلا مقداما فى الحرب، جرت عليه شدائد ومحن، ونهبت أمواله مرارا، واستمرّ يحارب مصر بمفرده ثلاث سنين، وتوجّه إلى آخر الصعيد، ثم توجه إلى الشام وحاصرها وكذلك حماة وحلب، ثم توجّه إلى بلاد التركمان، ولم يظفر به أحد، ولم يسلّم نفسه عن عجز، ولا سجن قط، ولا تقيّد كغيره، وآخر الأمر مات على فراشه من غير أن يقتل.
قيل إنه لما دخل حلب وأقام بها اعتراه أكلة فى فمه، وقيل فى وجهه، ورعت فيه حتى مات بحلب ودفن عند سيدى سعد الأنصارى، ثم نقلت جثته إلى القاهرة فى أواخر صفر سنة خمس وتسعمائة، ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء. ومات وله من العمر نحو الخمسين سنة، وكان أسمر اللون، مستدير اللحية، أسود الشعر، غير عبوس الوجه. وكانت الأمراء والسلطان يخشون سطوته. (انتهى).
[تكية المولوية]
ثم بعد شارع المضفر المتقدم الذكر تكية المولوية، وهى من وقف يوسف سنان، كانت أول أمرها الرباط الذى أنشأه الأمير شمس الدين سنقر السعدى سنة خمس عشرة وسبعمائة بمدرسته المعروفة بالسعدية، التى لم يبق من آثارها الآن إلا الفرن، وقبّة شاهقة متسعة متينة بداخلها أربعة أضرحة، وباب مقصورة فيها ضريح، يقال إنه قبر أحد مشايخ التكية، ومنارة فوق باب تلك المدرسة بجوار القبّة على الشارع.
وهذه التكية عامرة بالدراويش، ولهم بها مساكن، وفيها جنينة، ويعمل بها حضرة كل ليلة جمعة، وإيرادها سنويا سبعون ألفا ومائتان وسبعة وستون قرشا وثلاثون نصفا فضة.
وقد أجرى بها عمارة المرحوم سعيد باشا فى أيام ولايته على الديار المصرية.
ثم بعد التكية باب الشارع المستجدّ الآن المأخوذ من حوش بردق، وهو تجاه حارة الألفى، ويسلك منه إلى المنشية.