ثم اتفق الأمراء على إخراج على باشا إلى الشام، فأصحبوه بعدة من العسكر، فلما وصل القرين قام عليه العسكر وقتلوه، فلما وصل الخبر إلى الأمراء، أظهروا عدم الرضا وسكتوا، وكان مع كل ذلك يرغب كل أمير أن تكون له السلطة، ويعمل فيما يقوّى أمره ويضعف غيره، وعقارب الحقد تدب بينهم، ومحمد على لسياسته لا يظهر ما فى نفسه لأحد، بل كل من رآه قويا مال إليه، وأظهر له أنه معه، ولم يهمل أمر غيره، بل يواسيهم وهو يترقب الفرصة، ويسير بعقل وسياسة، وإذ كان البرديسى إذ ذاك هو المتبين فيهم تحالف معه، وجرح كل منهما نفسه وشرب الآخر من دمه، تمكينا للأخوة على زعمهما.
ولكنه لما كان يرى من سوء سيرتهم وطيش عقولهم يعلم أنهم مخذولون وأن أمرهم لا يتم، فكان يراعى الأهالى، ويواسى العلماء، ويتواضع لهم، ويتأدب مع وجوه الناس، ويعاونهم بما فى وسعه، فمالوا إليه وأحبّوه.
ثم إن الأمراء اتفقوا فيما بينهم على إضمار العداوة للألفى الكبير، لما رأوا من فوقانه عليهم، فخافوا على أنفسهم منه، فدس البرديسى لحاكم رشيد أن يقتله، فاستشعر الألفى فاحتال حتى قرب من مصر، واستطلع حقيقة الخبر، فمذ ثبت عنده توجه إلى الجهات القبلية، وكذا الألفى الصغير، فإنه لما بلغه ما يراد بقريبه، لم يسعه إلا اللحاق به، فنهب الأمراء بيوتهما، وبيوت أتباعهما وحواشيهما.
ولما رأى الأمراء كثرة حزبه بالجهة القبلية، خافوا تفاقم شره، فجرّدوا لحربه تجريدة، وجعلوا بعض مصروفها على التجار، وفرضوا الباقى على الأملاك، فجعلوا نصف ما فرض على كل منزل على المالك، والنصف الآخر على المستأجر، ووزعوا على القرى الغرامات الباهظة، فكان هولا هائلا فى جميع أنحاء القطر المصرى، حتى قامت النساء يندبن، وصبغن وجوههن وأيديهن بالنيلة.
وشكا الناس إلى محمد على، لما كانوا يرون منه من الميل إليهم، فتلقّاهم بالبشر، ووعدهم بما سرّهم. وكثرت بينهم قبائح البرديسى، حتى قام عليه العسكر والزعر، فما وسعه إلا الخروج إلى قبلى، ونهب بيته وبيت إبراهيم بيك بالداوودية، وحصل بين العسكر ومماليك المذكور قتال شديد، وطلع محمد على إلى القلعة، وأقام بها، ووجه المدافع إلى الداوودية، فخرّب أكثر منازلها.
وانتهت هذه الحادثة بخروج الأمراء إلى قبلى، ونهب بيوتهم، وسبى نسائهم وأولادهم.