واتخذ سليم كاشف المحرمجى قلعة الظاهر مستقرا، وفرض على كل بلد من بلاد القليوبية ألف ريال فرانسا، وسبعين من كل صنف، أى سبعين خروفا وسبعين رطل سمن وسبعين رطل عسل وهكذا، خلاف حق الطريق وهو خمسة وعشرون ألف نصف فضة.
ولذلك الحين كان محمد باشا مقيما بدمياط يقرر على أهلها ومن جاورهم الفرد الباهظة، فتوجه إليه محمد على، وعثمان بيك البرديسى، فقاتلاه، وهزما من معه، وأسراه، وأرسلاه إلى مصر.
ونهبت دمياط، وفعل الأرنؤود كل شنيعة، ثم توجّه البرديسى إلى رشيد لمقاتلة العثمانيين، وكانوا ببرج مغيزل، فلما التقى الجمعان انهزم العثمانيون، وأسر على باشا القبطان، وأرسل إلى مصر، وحصل برشيد من النهب والسلب والسبى ما حصل بدمياط وأدهى، خلاف ثمانين ألف ريال فرانسا ضربت على أهلها، وحصّلت منهم.
وفى سنة ثمان عشرة ومائتين وألف حضر الوزير على باشا الطرابلسى، وأقام بالإسكندرية، وقطع جسر أبى قير ليمنع وصول البرديسى إليه. فعندها رجع البرديسى إلى مصر، وجعلت عساكره كلما مرّت ببلد نهبتها، حتى حصل للناس منهم من الضرر، مالا مزيد عليه.
واشتد الغلاء تلك السنة، بسبب قصور النيل وعدم الرى، وعربدت الطغاة، وأصبح القصر بلا حاكم.
وفى أثناء ذلك أيضا، رفع العساكر لواء العصيان بسبب منع الصرف، فاتفق الرأى على توزيعها على الطوائف والتجار، وجعلها درجات، أعلاها خمسون كيسا وأدناها خمسة أكياس، فوزعت كذلك، وشدّد فى طلبها، فأغلقت الحوانيت، وتعطلت الأسواق، وبطل البيع والشراء، ونهب العسكر بيوت الإفرنج، فحصل بينهم مقتلة عظيمة، قتل وجرح فيها من الفريقين ناس، واشتد الخوف بالناس، وشكت القناصل للدولة فلم يجد شيئا.
وعلى باشا لم يبارح إسكندرية لذلك الحسين، مشتغلا بجمع العساكر وترتيبهم على هيئة عساكر الإفرنج، فتراءى للأمراء أنه يدبر عليهم أمرا، فاحتالوا عليه من باب «تعشّ بفلان قبل أن يتغدّى بك»، فأظهروا له الطاعة، وطلبوا منه الحضور إليهم ليمكنوه، فقام بعسكره قاصدا مصر، فلما وصل إلى شلقان، خرج عليه عسكر الأرنؤود، فلم يجد بدا من المدافعة، فاشتد القتال بين الفريقين، وقتل خلق كثير منهما، وتمت بهزيمة العساكر العثمانيين، وأسر الباشا وإرساله إلى مصر، ثم توجه الألفى إلى القليوبية، فنهبها وقتل أناسا كثيرا من أهلها، وكذا فعل بعرب بلى، محتجا أنهم كانوا ماثلين للباشا ظلما وافتراء.