للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الأمور مضطربة فى البلاد الشامية، لقيام النواب، ورفع الأتابك الأمير طيبغا لواء العصيان، فجهز ططر العساكر، وسافر إلى الشام، واستصحب معه السلطان بمرضعته، فغلب العصاة، وقتل منهم عددا وافرا، ورجع إلى مصر ظافرا.

وصفا له الوقت، فسوّلت له نفسه خلع السلطان، فخلعه، وأرسله إلى سجن الإسكندرية مع مرضعته ودادته، وبقى محبوسا، إلى أن بلغ سنه إحدى عشرة سنة، ومات وهو فى السجن، فنقل إلى القاهرة، ودفن مع أبيه.

وفى سنة أربع وعشرين وثمانمائة المذكورة زاد النيل زيادة مفرطة، واستمرت الزيادة إلى آخر هاتور، ولم يعهد ذلك قط فى الإسلام، فحصل للناس الضرر الشامل، واستبحرت الأراضى، وغرق أكثر البساتين، وفات أوان الزرع، وانقطعت الطرق لكثرة الماء، فكان ما حصل للناس بأسباب هذه الحادثة من الضرر والكآبة، مع ما هم فيه من المحن والفتن جرحا على جرح.

***

[تولية أبى الفتح ططر الظاهرى]

ولما خلع أحمد بن المؤيد، تولى السلطنة الملك سيف الدين أبو الفتح ططر الظاهرى الجركسى المذكور فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتلقّب بالملك الظاهر، فلم يلبث أن مرض ومات ولم يمكث فى السلطنة غير ثلاثة أشهر ويومين. ومع ذلك فقد أفنى كثيرا من الأمراء، وهو من مماليك الظاهر برقوق، وكان كثير الحيلة والتدبير، ولكن غلبته حيلة زوجته، فإنه يقال إنه لما خلع ابنها شغلته بالسم، فكان سبب موته، وأنه طلقها قبل موته بقليل.

***

وقد عهد لابنه محمد، فتولى الملك بعده، وسنّه عشر سنين، ولقب بالملك الصالح أبى النصر، فأقام فى السلطنة أربعة أشهر وأربعة أيام، ثم خلع. وكانت أمور المملكة فى أيامه بيد المعز الأتابكى جانبك العوفى، فلم يكن للسلطان معه إلا مجرد الاسم، فعزّ ذلك على الأمراء، فتعصبوا مع الأمير برسباى الدقماقى، وقبضوا على الأتابكى، وبعثوا به إلى سجن الإسكندرية، وخلعوا السلطان الصالح، وسلطنوا برسباى، وبقى الصالح مع أمه خوند بركة بنت الأمير سودون الفقيه فى القلعة، ثم أذن له فى النزول من القلعة، والركوب إلى زيارة