وفى سنة ١٧١٨ ميلادية، بناء على ما ذكره (ماتى) -قنصل فرنسا فى ذاك الوقت- فى وصف إسكندرية، أن التخرب كان قد اعتراها وغيّر معالمها، حتى صار لا يوجد فى مدينة العرب أكثر من مائة بيت، وتحول غالب الناس إلى ساحل المينا، وبنوا منازلهم فوق الأرض، التى حدثت من انحسار البحر، فى محل السبع غلوات، وهجرت مدينة العرب بالكلية، فكانت خرابا بلقعا لا يأوى إليها إلا أشقياء الناس، وتلك البلد التى حدثت بنيت بأنقاض مدينة الأروام.
وعلى هذا، كان الخراب ممتدا من مكان مدينة كانوب إلى باب العرب على ساحل البحر، ومن جهة الأرض إلى ساحل البحيرة وخليج إسكندرية، وكان لا يزيد عدد أهل البلد الجديد عن أربعة آلاف نفس بمن وفد إليهم من سائر الولايات.
مطلب فى بيان مساحة مدينة إسكندرية
فى أيام الفرنساوية
يظهر من رسم الفرنساوية لهذه المدينة، أن محيط أسوار مدينة العرب أربعة آلاف وثلثمائة تواز، أعنى قريبا من فرسخين، وكان فى زمن الأروام ١٣٤٠ توازا، وكان يمكن مقارنتها بمدينة القاهرة لمعرفة عدد السكان؛ لأن عوائد السكن واحدة فى المدتين، فنقول:
إنه قيس مساحة إسكندرية فوجدت ٨٠٠٠٠٠ تواز مربع، وهو أقل من نصف المساحة القديمة، وكان محيط القاهرة عند دخول الفرنساوية ٢٤٠٠ ألف مترا و ١٢٠٠ تواز، ومساحتها ٢٠٨٨٥٤٠ توازا مربعا، وأهلها ٢٥٠٠٠٠ نفس.
فبناء على ذلك، يكون أهل إسكندرية فى زمن ابن طولون قريبا من ٨٠٠٠٠ نفس، أعنى أنه حصل-فى ظرف مائتى سنة-نقص سبعة أثمان أهلها، مع ضياع شهرتها القديمة.
ومع ذلك فكانت من المدن الكبيرة، ولم تتحول عنها التجارة حتى يزول كل سعدها.
ويستفاد مما ذكره أبو الفداء، أن كثيرا من حارات البلد-لغاية القرن الثالث عشر من الميلاد-كان باقيا على وضعه القديم، وكذلك المنار ومبانيها العظيمة.